الكتابة الشعرية لا تعرف شكلاً واحداً، لأنها تتطور مع التجارب والحياة. قصيدة النثر الحديثة جلبت معها الكثير من المستسهلين، مع العلم أن كتابة هذا النوع من الشعر قد تكون أصعب من كتابة القصيدة الكلاسيكية، لأنها لا تحمل ضوابط ظاهرة، لذا فهي تتطلب شاعراً مجيداً يعرف كيف يصوغها وينسجها. لكن هذا لا يعني غياب تجارب شعرية جدية تشق طريقها، ومثال على ذلك ديوان"وحدها الأشجار تتحدى البرد بالتعري"لنائل شرف الدين الصادر عن دار الغاوون، والذي ينمّ عن تجربة شعرية ومعاناة دفعت صاحبها إلى الكتابة. الديوان مؤلف من خمس قصائد مطولة موضوعها واحد هو الحب. فهناك تجربة عاطفية خاصة تعمّم. كل قصيدة مؤلفة من مقاطع نثرية، بالإضافة إلى قصيدة واحدة تحت عنوان"كابوس"تتضمن حواراً بين الكاتب والحبيبة. الحب عند شرف الدين هو حب شغوف يجرف الكاتب معه. لذلك فهو يترك بصماته، ويخلّف جرحاً في الصميم."لا شيء يشبه الورد أعطيتك إياه ونسيت نزع شوكه من كمي". "فقط أردت أن أكون صخرة لا يمكن اقتلاعها من دون جرح في التراب". كذلك الحزن يترك بصماته في نفسه:"أنا من ركض نحوك بقدم واحدة وحلم بك كحزن مسن". هذا الشغف يجابه ببرودة ظاهرة من قبل الحبيبة، ومن هنا يتوالد الحزن عند الشاعر، كون الحب ليس متفتّحاً ولا مُتَبادلاً:"أردت أن أراك حزينة، كانت عيونك باردة، كل حزني لم يستطع تبليلها...". ألم يدفع الكاتب إلى التطهر ونزع الشوك عن طريق الكتابة، ومعاناة، شأن كل العشاق الذين يحبون بشغف. حتى النسيان يغدو متعذراً"انتهى الأمر بسهولة مريبة وأنا أطرد أشياءك من حياتي، سوى تلك الصورة التي أدعكها في جيبي.. الصورة التي هي خنجر يحمل دماء الكثيرين". حب هو أحياناً بريء، ينم عن رغبة في العودة إلى الأمومة الخالصة."كلامك فظ وأمي بعيدة". لا يمكننا استعراض كتاب شعري من دون التطرق إلى اللغة، وتركيبة الجملة الشعرية. اللغة عند شرف الدين تميل أحياناً إلى أن تكون سردية:"الأرض تعرف جميع دروبها، وأنا لا أعرف سوى درب بيتك، الشيء الذي يدفعني إلى كل شيء هو رغبتي في اكتشافك بورقة وقلم...". والسرد يترافق مع صور خاطفة، وكل صورة تضيف حركة إضافية على النص."الليل هو أكثر من يحلم، لا ينام ويحلم، الليل ساذج ومهدد بالانقراض، لا يتعلم من أخطائه، هو يكرهني وأنا أحبك، هو لا يشبهني في شيء... لذا سأدير له ظهري...". في الحقبة الأخيرة ظهر تيار شعري كبير يعمل على التفاصيل اليومية، لكن نلاحظ أن قصيدة شرف الدين تنأى عن ذلك، ولا تشبه غيرها. يكتب الشاعر بأسلوب بعيد عن المحسنات اللفظية والتكلف، أي ما من لعب على اللغة من خلال الجناس والطباق، بل فقط صور براقة ولماعة، وهذا شبيه بما تتميز به قصيدة النثر الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، لدى شرف الدين قاموس جديد ومصطلحات شعرية جديدة بعيدة عن السائد والمتداول. لغة جديدة محبوكة بإحساس مرهف وبسخرية وطرافة أحياناً:"أنظر إلى السماء متسخة والنجوم مبعثرة كالعادة...". نائل شرف الدين المولود في السويداء في سورية عام 1984، لم يتسرع في النشر، بل جمع قصائده التي كتبها خلال السنوات الثلاث الماضية، ونشرها في كتاب. لذلك نلاحظ قصائده عنده ناضجة.