كانت إسرائيل الحاضر الغائب في مفاوضات بغداد حول الملف النووي الإيراني. لم تترك وسيلة ضغط على حلفائها إلا استخدمتها. وضعت شروطاً للاتفاق كأنها المعنية الوحيدة بهذا الملف. منها، على ما أعلن نتانياهو، وقف تخصيب اليورانيوم داخل إيران. وتفكيك منشأة قم. ومراقبة دائمة للمنشآت الأخرى لأن"طهران تخدع الغرب، ولن يثنيها شيء عن المضي في برنامجها النووي العسكري". ورفضت إسرائيل أيضاً اقتراح"خطوة مقابل خطوة"، أي أن تتراجع إيران عن موقفها خطوة وترفع عنها العقوبات بالتدريج. تدرك إسرائيل أن المفاوضات بين إيران والغرب لا تقتصر على الملف النووي وحده، بل تتعدى ذلك إلى موقعها في الشرق الأوسط، وتدرك أيضاً أن التوصل إلى اتفاق حول هذا الملف يعني، في ما يعنيه، تسليم الغرب بأن الجمهورية الإسلامية ضمنت لنفسها التحول إلى قوة عظمى إقليمية لها كلمتها في رسم الخريطة السياسية للمنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى لبنان، مروراً بالعراق وسورية. تتصدى الدولة العبرية لنفوذ إيران، مهددة بضرب منشآتها النووية. ولا تترك مناسبة إلا وتذكر الجميع بقدرتها على تنفيذ تهديدها، ويتبنى المفاوضون الأوروبيون أطروحاتها. اي أن الجميع يتحدث باسمها. وهذا ليس من باب المبالغة. في موازاة ذلك، لا يجد العرب من يمثلهم في المفاوضات. إنهم الغائبون المغيبون، وكان الأحرى بهم أن يتمثلوا بمندوب تعينه الجامعة العربية، فقلقهم من تحول إيران إلى دولة إقليمية عظمى لا يقل عن القلق الإسرائيلي. يتمظهر هذا القلق بأشكال مختلفة: صراع على النفوذ في العراقولبنان وفلسطين. وسباق تسلح. في لبنان يترجم هذا الصراع بين"حزب الله"، ومعه بعض الحلفاء المسيحيين من جهة، و تيار"المستقبل"ومعه بعض المسيحيين أيضاً، من جهة أخرى. ويتجسد في العراق في الصراع بين الأحزاب الشيعية، ومعها بعض العشائر من جهة، والأحزاب السنية ومعها بعض العشائر أيضاً، من جهة أخرى. وكل من الدولتين، لبنانوالعراق، معرض لاستعادة الحروب الأهلية. والمؤشرات كثيرة. من تهديد محافظات عراقية بالاستقلال عن بغداد إلى مطالبة طوائف لبنانية بإنشاء جيشها الخاص، مقابل مسلحي"حزب الله"، إلى الفلتان الأمني في الشارع، خصوصاً في الشمال والبقاع على الحدود مع سورية، إلى الفوضى السياسية في المؤسسات الرسمية. وطبعاً لن ننسى القلق العربي مما يدور في سورية منذ أكثر من سنة، حيث يتكرس الانقسام الأهلي وتغرق البلاد في حروب استنزاف من الشمال إلى الجنوب، مهددة بانهيار الدولة بمؤسساتها الأمنية والمدنية، على غرار ما حصل في العراق. وبانتقال هذه الفوضى إلى خارج الحدود. المفاوضات بين الغرب وإيران تدور على تقاسم النفوذ في الأرض العربية في غياب العرب الغارقين في حروبهم وخلافاتهم الداخلية، وفي"ربيعهم"، وفي سباق التسلح من ترسانة هذا الغرب الذي يفاوض باسم إسرائيل.