يسود نقاش متواصل في أوساط لبنانية وغير لبنانية حول أثر التطورات الدولية والإقليمية على سياسة «حزب الله» وتحديداً على انعكاسات سياسة الانفتاح القائمة في اتجاه سورية على علاقة «حزب الله» بها. وبصرف النظر عن مدى صحة ذلك فإن بعض هذه الأوساط يستشعر ارتباكاً لدى الحزب ناجماً عن قلقه من ان تأتي نتيجة هذا الانفتاح على حساب التحالف الوثيق بينه وبين سورية، ويذهب هذا البعض الى التكهن بأن هذا القلق هو ترجمة لقلق إيراني إزاء السياسة الغربية والعربية الهادفة الى فصل سورية عن ايران وإبعادها عنها كثمن للتقارب معها والسعي الى «إعادتها الى الحظيرة العربية مقابل معالجة عدد من القضايا التي تهم مصلحتها الوطنية ومصلحة النظام الحاكم فيها. وقد لا تجد هذه التكهنات عن قلق «حزب الله» من سورية وسياستها صدى مهماً لدى أوساط أخرى، نظراً الى اعتقادها ان سقف الموقف السوري لا يبرره وأن سورية لن تتخلى عن أوراقها في سهولة، مهما انفتح الغرب والعرب المعتدلون عليها، وأن قيادة «حزب الله» تدرك ذلك تمام الإدراك. والأرجح ان ما يقلق «حزب الله» في هذه الظروف أكثر هو التطورات الحاصلة في إيران إذا كانت نتيجتها المس باستقرار النظام السياسي الحالي، على المديين المتوسط والبعيد، مع افتراض ان الحزب مطمئن الى وضع النظام في المدى المنظور. وعليه فإن انتظار وترقب ما ستؤول إليه الأحداث في طهران يوجب على الحزب البقاء على علاقة جيدة مع دمشق لتمرير الوقت. وواقع الحال ان العلاقة مع طهران لن تتأثر بالانفتاح الغربي عليها، لأنه انفتاح يأتي ايضاً في سياق سياسة غربية بعيدة المدى تربط احتمالات التسوية في المنطقة بالسعي الى حل شامل لأزماتها، لا يخرج إيران من دائرة هذه الحلول. فالشمولية في نظر الغرب (أميركا وأوروبا معاً) تعني ان التسوية السلمية للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي لا تتم من دون تسوية مع طهران حول تحديد دورها الإقليمي في فلسطين، الذي يجر بدوره الى الحديث معها عن دورها في العراق ولبنان ومن ثم ملفها النووي. ويفترض ألا يقلق الحزب من محاولات تجديد التفاوض غير المباشر، وحتى الانتقال الى التفاوض المباشر بين سورية وإسرائيل حول استعادة الجولان على رغم التباين بين قيادته والقيادة السورية في هذا الشأن، فمثلما تقول قراءة أي مراقب، وقراءة سورية نفسها ان التسوية حول الجولان صعبة بفعل التعنت والتطرف الإسرائيليين، وليست ظاهرة في الأفق، فلا بد من أن يكون الحزب واثقاً بصعوبة أن تحصل تلك التسوية وبالتالي ألا يقلق من تجدد المفاوضات. أكثر من ذلك، إذا صح ان تجدد هذه المفاوضات قد يشكل وسيلة «لتكبيل يدي سورية» وفي شكل تغتنم إسرائيل الفرصة لتنفيذ عدوان جديد ضد لبنان يستهدف «حزب الله» في شكل رئيسي، في ظل امتناع سورية عن إمداده بالسلاح والصواريخ والذخيرة لأسباب متعددة، فإنه ليس لدى الحزب ما يقلقه في هذا المجال. ففي أسوأ الأحوال ستساند دمشق لبنان سياسياً وعلى صعيد الإغاثة وتقف الى جانب الحزب الذي تكفيه ترسانة الصواريخ والأسلحة التي لديه للصمود وإلحاق الأذى الشديد بإسرائيل، إذا بادرت الى شن الحرب، وإذا لم يكفه ذلك فلن يكون لسورية دور في إفشاله لأنها سبق ان سهّلت حصوله على المطلوب، بل سيكون السبب شراسة العدو. أما على صعيد سياسة سورية في لبنان فليس لدى الحزب ما يقلقه بفعل انفتاح الغرب عليها ومراقبته للوضع اللبناني بموازاة ذلك. وإذ افترض البعض أن دمشق ستعود الى ممارسة دور مؤثر في السياسة اللبنانية كما في السابق فإن نفوذها في العقود الماضية كانت تمارسه عبر علاقتها مع عدد من القيادات التي انقلبت عليها مثل الرئيس الراحل رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبعض الرموز المسيحية المستقلة. ومهما تحسنت علاقتها بهؤلاء بعد الانفتاح العربي عليها فإن خصومة السنوات الأربع الماضية لن تعيد العلاقة بينها وبينهم الى ما كانت عليه لا من طرفها ولا من طرفهم وهذا يبقي على تحالفها والحزب تحالفاً أساسياً، حتى وإن كانت ستعتمد على عناصر إضافية (بالإضافة الى الحزب) لممارسة دورها مثل الرئاسة الأولى وغيرها. وبالتالي هذا لن يحدث تغييراً جوهرياً تجاه الحزب، مهما كانت الأمور التي يرتبها الانفتاح الغربي والعربي على سورية. وإذا كان البعض وجد في قلق الحزب من سورية سبباً لتشدده، فإن عناصر الاطمئنان المذكورة ستدفعه الى التخلي عن شرط الثلث المعطل في الحكومة المقبلة.