يوم العلم السعودي.. رمز الفخر والهوية الوطنية    أعلى نمو ربعي خلال عامين..الإحصاء: 4.5 % ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي    اتحاد الغرف أطلق "تواصل".. تعزيز التجارة والاستثمار بين دول التعاون    في ترتيب الأكاديمية الوطنية للمخترعين الأمريكية.. الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    وفد إسرائيل في الدوحة.. وويتكوف يصل غدًا.. «هدنة غزة».. جولة مفاوضات جديدة وتعقيدات مستمرة    اليمن.. إتلاف ألغام حوثية في مأرب    42 شهيدًا ومصابا في غزة خلال 24 ساعة    الملك سلمان في جدة    في إياب دور ال 16 لدوري أبطال آسيا للنخبة.. النصر يتطلع للتأهل من بوابة الاستقلال    في ختام الجولة 25 من " يلو".. النجمة والعدالة في صراع شرس على الوصافة    مواقف ذوي الإعاقة    خلال حفلها السنوي بالمدينة.. «آل رفيق الثقافية» تكرم عدداً من الشخصيات    300 مليون دولار.. طلاق محتمل بين جورج كلوني وزوجته اللبنانية    تجديد مسجد «فيضة أثقب» على الطراز المعماري التراثي    مدير الأمن العام يرأس اجتماع اللجنة الأمنية بالحج    تجاوز ال"45″ عاماً.. الإفطار الجماعي يجدد ذكريات «حارة البخارية»    مخيم عائلة شبيرق بأملج لإفطار الصائمين    اغتراب الأساتذة في فضاء المعرفة    الغذامي والبازعي والمسلم.. ثلاثتهم أثروا المشهد بالسلبية والشخصنة    سلمان بن سلطان يدشن مشروعات بحثية توثق تاريخ المدينة    التبرعات ل«حملة العمل الخيري» تتجاوز 740 مليون ريال    أجاويد.. القيادة والريادة والابتكار    الفصول الثلاثة والغياب في رمضان    «السكوتر الإسعافي».. خدمة مبتكرة    خيام الندم    الشيخوخة إرث الماضي وحكمة الحاضر لبناء المستقبل    11 مليار ريال لفرص استثمارية بالأحساء    فيجا يربك حسابات الأهلي    السالم يبتعد بصدارة المحليين    تمبكتي يعود أمام باختاكور    الاتحاد يجهز ميتاي للرياض    سعود يعود بعد غياب لتشكيلة روما    مبالغ النفقة والأخطاء الطبية مستثناة من الحجز البنكي    ارتفاع أعداد الحاويات الصادرة بنسبة 18.25% خلال فبراير 2025    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد منطقة الطائف العسكرية    أمير منطقة تبوك يرعى حفل يوم البر السنوي للجمعيات الخيرية    فتيات الكشافة السعودية روح وثّابة في خدمة المعتمرين في رمضان    الكشافة في المسجد النبوي أيادٍ بيضاء في خدمة الزوار    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل "التوعية بالعنف الأُسري"    أبها للولادة والأطفال يُفعّل حملة "التطعيم ضد شلل الأطفال" و "البسمة دواء"    مستشفى خميس مشيط العام يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    ‏ "أمّ القُرى" تحصد شهادة الآيزو الدَّوليَّة في مجال أمن المعلومات ومجال الأمن السيبراني    نعتز بالمرأة القائدة المرأة التي تصنع الفرق    فرض الضغوط وتعزيز الدعم إستراتيجية بورتمان لسلام أوكرانيا    شبكة مالية حوثية للهروب من العقوبات    «سلمان للإغاثة» يوزّع 450 سلة غذائية في مدينة جوهانسبرغ بجمهورية جنوب أفريقيا    "تكفى لا تعطيني" تحاصر عصابات التسول    سلام دائم    3 مرتكزات تعزز الوعي الصحي بجازان    ترامب يثير الجدل: أوكرانيا قد لا تنجو من الحرب مع روسيا    هدم 632 منزلاً في طولكرم    الإفطار الرمضاني بالعُلا تجربة تنبض بعبق التاريخ والتراث الأصيل    أعمال «مرور الرياض» أمام محمد بن عبدالرحمن    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد فيضة أثقب بحائل    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    يوم العلم السعودي.. اعتزاز بالهوية وترسيخ للقيم    المرأة السعودية.. شريك أساسي في بناء المستقبل بفضل رؤية القيادة الرشيدة    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أرض البشر" لسانت أكزوبري ... ضعف أمام الطبيعة
نشر في الحياة يوم 17 - 04 - 2012

"إن الأرض تفيدنا عن أنفسنا أكثر مما تفيدنا كل الكتب، ذلك أنها تقاومنا""هذا ما أراد أن يخبرنا به أنطوان دو سانت أكزوبري في روايته المدهشة"أرض البشر"الصادرة حديثاً عن"مكتبة الأسرة"في القاهرة، بترجمة جوزيف صايغ.
رواية تقع على التخوم الفاصلة بين سرد"السيرة الذاتية"خيالياً، والسيرة الذاتية الفعلية، فهو يصوِّر جانباً من حياته كطيار، وينقل إلينا بعضاً من إحساس الأرض وانطباعها، وقد انطلق من سعي الإنسان إلى الدهشة ولذة الاكتشاف والمغامرة في أقصى درجاتها، ليكتب لنا رواية تُجسِّد الموت حتى كأنه كائن حي يلامس جلد الإنسان. رواية تعبر عن التوق إلى الحرية والحنين إلى ذكريات يصنعها الإنسان مع أصدقائه ورفاقه، ذكريات يبنيها لحظة بلحظة، ولا تسمح لها الذاكرة الإنسانية الحية بأن تموت، هي ذكرياتهم التي لا يمكن أن تخبو، فقط حين يجمعهم الزمن يعيشون على لهيب هذه اللحظات المستدعاة من الذاكرة:"لا شيء يوازي كنز تلك الذكريات المشتركة".
هي لحظاتهم الخاصة تحيا وتنمو في تلافيف ذاكرة البشر، وحين تجمعهم الأيام يستدعونها حية قوية تعينهم على رحلاتهم، آلامهم وأوجاعهم، تعينهم على الموت المحتمل والسقوط المريع، فربما هي لحظة تغفو فيها عين الطيار، فلا يصحو إلا في عمق هوّة سحيقة من كهف في عمق بحر أو وسط ركام جليد، أو في متاهات رمال متحركة للصحارى الغريبة، وربما لا يصحو مطلقاً ويصير كنتف غيوم، أو يرقد في عمق محيط:"رفاقنا لن يعودوا أبداً، إنهم يرقدون في ذلك المحيط الجنوبي الذي طالما حرثوا سماءه". الفضاء السردي ل"أرض البشر"يتراوح ما بين الأرض، بمدنها وقراها وصحاريها، والسماء، حيث يعلو الطيارون بطائراتهم وسط الغيوم والنجوم والكواكب والسحب، يرافقه زملاء، لكن"غيّومة"هو أكثر الرفقاء حضوراً في ذاكرة السرد."غيّومة"رفيقه الذي سقطت طائرته وسط جبال الأند، وظل خمسة أيام متكلساً في ركام الثلوج، لكنه من خلال الذاكرة والذكريات استطاع أن يقاوم الموت الذي لامس جلده من قُرب. فقط روحه ظلت تقاوم:"كنت أمشي في الثلج وكان جلّ عملي أن أمنع نفسي من التفكير. كنتّ أتألم أكثر مما أستطيع، في الثلج يفقد المرء غريزة الحفاظ على الذات فقداناً تاماً. فبعد يومين، ثلاثة، أربعة من المسير لا يعود المرء يرغب سوى في السُبات. كنتُ أتمناه، لكنني كنتُ أقول لنفسي إن امرأتي إذا كانت تعتقد أنني أحيا، فهي تعتقد أنني أمشي، الرفاق يعتقدون أنني أمشي، إنهم يثقون بي جميعاً".
المكان في الرواية غير تقليدي، فهو فقط ليس تلك الجبال والوديان والمدن التي يصفها الكاتب من خلال"الفلاش باك"، بل هناك مكان له خصوصية تجعل الرواية تختلف عن كثير من الروايات التي تمثلت الرحلة تمثيلاً لغوياً ونصياً. إن هذا المكان الذي أعطى الرواية خصوصية هو مقصورة الطائرة البريدية التي تقطع البحار والمحيطات والصحارى، المكان الضيق المطل على الأرض، الذي يجلس بداخله القائد المغامر المكتشف رحابة الكرة الأرضية، اكتشاف جبالها الشاهقة وسماء الليل المرصع بالنجوم تخالها مدينة من بعيد، الباعث للأحلام الرائعة والهواجس المخيفة من التعطّل وسقوط الطائرة وسط رمال الصحارى الخالية أو قاع الجبال الثلجية البكر. كما أن الزمان الذي استطاع الكاتب أن يصوره عبر الاسترجاع يتداخل بين الماضي والآني. الماضي يحضر عبر الذكريات و"الفلاش باك"، والآني تتداخل فيه لحظات التحليق الليلية وذكريات التدرب وترقب أخبار طائرة فقدوا أثرها وهم يسترجعون مناقب قائدها المغوار. لم تكن رحلات عادية تلك التي قطعها بطائرته البريدية إلى السنغال والمغرب وليبيا وتونس وإسبانيا وجبال الأند. لم تكن رحلات عادية التي وصف فيها الصحراء العربية وغاص بين سفوحها وصعد قممها، وقابل بشراً جعلوه يطرح على ذاته تأملات إنسانية عميقة حول الإنسان والطبيعة. سقطت طائرته في صحراء ليبيا وهناك يعيد اكتشاف ذاته:"الصحراء هي أنا، لم أعد أكوّن لعاباً، ولكنني لم أعد أكوّن، كذلك، الصور العذبة التي كان في إمكاني أن أنتحب نحوها، لقد أيبست الشمس فيَّ نبع الدموع، ومع ذلك ماذا أبصرت؟ نسمة أمل مرّت عليَّ مثل رعشة على صفحة البحر". رفاق الخط مشتتون في العالم وهو يستدعيهم عبر الذكريات:"اعتدنا في الواقع أن ننتظر اللقاءات طويلاً، لأن رفاق الخط مشتتون في العالم من باريس إلى سانتياغو الشيلي، منعزلون قليلاً كالحراس الذين لا يتخاطبون قط لا بد من صدفة الأسفار لتجمع هنا وثمة شمل أعضاء العائلة المهنية الكبرى وحول طاولة المساء في الدار البيضاء في دكار وفي بوينس أيرس يستأنفون بعد سنين صمت تلك المسامرات التي انقطعت ويعيدون وصل ما انقطع بينهم بالذكريات العتاق، ومن ثم يستأنفون ترحالهم وإذا بالأرض هكذا مقفرة وغنية في أن، غنية بتلك الحدائق الخفية المخبأة الصعبة البلوغ والتي قد تقودنا المهنة إليها يوماً".
رواية من التفاصيل الإنسانية، تحاول أن ترصد عذابات البشر وهواجسهم وأحلامهم، البشر الضعفاء أمام قوى الطبيعة، على رغم امتلاكهم الطائرات التي تحلق وتخترق السماوات، وعلى رغم معرفتهم بالهندسة والميكانيكا والسيطرة على الزمن والمكان، إلا أنهم يظلون يشعرون أنهم غير قادرين على سبر غور الطبيعة ولمس قواها الخارقة:"نتحايل على القوى الطبيعية، ننتظر الفجر كما ينتظر البستاني الربيع، ننتظر المحطة مثل أرض الميعاد ونبحث عن حقيقتنا في النجوم". كل شيء يهجس بالروح في هذا النص الإنساني العذب، حتى الأشياء لها روح كما البشر، الأشياء في بساطتها وجمالها وصفائها، هذا النص العذب يدعو إلى المحافظة على روح الأشياء، فما يعذبه ليس البؤس، وليس الشقاء بقدر ما هي روح الطبيعة التي يمكن أن يفقدها البشر:"ما يعذبني ليس هو هذا البؤس حيث نستقر على أي حال. ما يعذبني ليس هذه الحفر ولا هذا النتوء ولا هذا القبح. ما يعذبني موجود إلى حد ما في كل هؤلاء الناس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.