عرف المصريون وائل غنيم للمرة الأولى حين ظهر على التلفزيون يوم 7 شباط فبراير 2011، بعدما ظل معتقلاً لمدة 11 يوماً باعتباره مدير صفحة"كلنا خالد سعيد"على"فايسبوك"التي دعت إلى تظاهرات انطلقت في مصر يوم 25 كانون الثاني يناير. ظهر وائل غنيم مرهقاً للغاية، لكنه نفى تعرضه لتعذيب بدني. وعندما رأى صور الشهداء التي عرضتها عليه المذيعة منى الشاذلي، بكى بمرارة، ثم خرج من الاستوديو. أحدث هذا اللقاء التلفزيوني صدى واسعاً، إذ تعاطف الناس مع غنيم، ونزلوا إلى"ميدان التحرير"في وسط القاهرة بكثافة في اليوم التالي. كانت وسائل الإعلام في الداخل والخارج تحاول صنع بطل للثورة المصرية يتصدر المشهد، وأنشئت على"فايسبوك"صفحة بعنوان"أفوِّض وائل غنيم للتحدث باسم ثوَّار مصر"اشترك فيها قرابة المليون شخص في أقل من 48 ساعة. ويُصرّ غنيم في كتابه"الثورة 2.0: إذا الشعب يوماً أراد الحياة"، الصادر أخيراً عن دار"الشروق"في القاهرة، على أنه كان بالنسبة إليه تصرفاً مرفوضاً، وأنها فكرة"تضر بالثورة أكثر مما تنفعها". "طريق الإسلام" يهدي غنيم كتابه إلى"من آمن بالحلم فصَنَع المستحيل، وإلى من ضحى بحياته ليبعث الحياة في هذا الجيل". وتزامن صدور الكتاب مع ذكرى مرور سنة على الثورة المصرية، ويروي فيه غنيم تجربته مع الحياة، والإنترنت. هو المولود في القاهرة لأب طبيب عمل في السعودية لفترة من حياته، وبمجرد التحاقه بكلية الهندسة، أخذ يبحث عن عمل ليتمكن من سداد فاتورة"الإنترنت"التي كانت تزعج والده. كان الاتصال بالإنترنت خدمة غالية في مصر آخر التسعينات من القرن الماضي. وإلى جانب دراسته حصل على عملين، وأصبح مستقلاًّ مادياً. بدأ غنيم كمطوِّر حُرّ لمواقع الإنترنت، وهي المهارة التي تعلّمها ذاتياً، بقراءة الكتب واطلاعه على مواقع إلكترونية تقدم دروساً تعليمية. التحق بقسم الكومبيوتر، لكنه لم يكن بارعاً في دراسته، بسبب"النظام التعليمي الفاشل"، لكنه برز في مجال آخر. في العام 1998 أنشأ موقع"طريق الإسلام"الشبيه ب"يوتيوب"لكن للصوتيات فقط، وهو ذو طابع ديني. وكان حريصاً على أن تظل هوية منشئ الموقع مجهولة، كي لا يصبح هدفاً لأجهزة الأمن المصرية. وظل حريصاً على هذه السرية وقتاً طويلاً بعد ذلك، خصوصاً حين أنشأ مواقع إلكترونية أكثر إزعاجاً للنظام في مصر، ك"صفحة الدكتور محمد البرادعي"، وصفحة"كلنا خالد سعيد". في 2001، وأثناء وجوده في الولاياتالمتحدة للتبرع بموقع"طريق الإسلام"إلى إحدى الجمعيات الخيرية، التقى غنيم زوجته الأميركية إلكا، وتزوجها من دون حتى أن يخبر والديه، اللذين عرفا بالأمر لاحقاً. يعترف غنيم بأن وجوده في الولاياتالمتحدة ساهم في شكل كبير في صقل شخصيته، وبأنه أعجب بقيم عدة، مثل احترام حقوق الإنسان والديموقراطية وجودة التعليم، وأدهشه تقدير المجتمع لقيمة الفرد في مقابل الجماعة. وبعدما قرر أن يستقر هناك ليكمل دراسته، وقعت أحداث 11 أيلول سبتمبر، ولم يكن من السهل على مصري مسلم أن يتابع حياته بسلاسة وسط مجتمع يرى المسلمين متهمين دائمين بالإرهاب... حتى يَثبت العكس، وشعر بأن نظرات الشك تحاصره وزوجته المسلمة المحجبة. "ما ليش في السياسة" وبعدما كان غنيم يعلن في الماضي أنه"ما ليش في السياسة"، برز إضراب عمال شركة غزل المحلة المصرية، في 6 نيسان أبريل 2008، كحدث مهم في إيقاظ الوعي بالشأن العام عند الشاب الذي يعمل الآن في شركة"غوغل"العالمية. الإضراب الذي رافقه إنشاء صفحة خاصة به على"فايسبوك"، اشترك فيها عشرات الآلاف، فيما بلغ عدد المشتركين في خدمة الإنترنت في مصر 13.6 مليوناً. كان النشاط السياسي الإلكتروني يتبلور ويزدهر. وفي 2009 أنشأ غنيم صفحة"محمد البرادعي"على"فايسبوك"لتكون منبراً يتواصل من خلاله المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مع مؤيديه. وعلى رغم أنه يرفض تقديس الأشخاص، رأى غنيم في البرادعي مُلهِماً، وقال:"مصر لا تحتاج إلى مُنقذ، الشعب هو من سينقذ نفسه". ظلت خبرة وائل غنيم السياسية لسنوات عدة تتراكم أمام شاشة الكومبيوتر، منزوية ومفتوحة على أفق بلا حدود في الوقت ذاته. وحرص، كما ذكر في الكتاب، على سرِّية شخصيته"الافتراضية"، وهو تصرف يسلكه كل من لم يشارك على الأرض ويواجه أجهزة الأمن، من دون أن يقلل ذلك من أهمية العمل. لذا، حين اعتقل، بدا تائهاً في مقر"أمن الدولة"، أخبر المحققين بكل ما لديه من معلومات، لكنه لم يتفوه باسم ليس معلوماً لديهم، خوفاً مما قد يتعرض له أي شخص يذكر اسمه. نزل إلى الشارع في تظاهرة للمرة الأولى بعد إنشاء"صفحة خالد سعيد"، وشارك في تظاهرات 25 كانون الثاني يناير. وبعدما أطلق الأمن سراحه قصد"ميدان التحرير"، حيث استقبله الثوار استقبالاً حافلاً، وهو مشهد شبيه بمشهد تنحي حسني مبارك الذي يختتم به غنيم كتابه.