يبدو واضحاً في تصريحات رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، التي أدلى بها أثناء توجهه إلى سيول لحضور القمة النووية، أنه لا يستسيغ مهة كوفي أنان المفوَّض أممياً لحل الملف السوري. ولم تحسِب أنقرة أن يبحث المجتمع الدولي في حل يبقي الأسد على رأس النظام السوري ويجعله طرفاً أساسياً في البحث عن حل للأزمة. فالتوجه في أنقرة استند الى افتراض أن الاسد سيترك السلطة، كحسني مبارك وزين العابدين بن علي، لتبدأ سورية صفحة جديدة في تاريخها السياسي. صمد نظام الأسد أكثر مما توقعت تركيا، وبعد عام كامل على الثورة، توصل مجلس الأمن الى تسوية سياسية ظاهرها البيان الرئاسي، الذي وافقت عليه الصينوروسيا، ويدعم فتح باب الحوار بين المعارضة والنظام في سورية، وهذا ما كانت تدعو إليه موسكو منذ البداية. كما نجحت موسكو من طريق البيان الرئاسي هذا، في رفع مكانة الأسد إلى مرتبة لم تحسب لها أنقرة حساباً، وهي ترفضها رفضاً قاطعاً. ولا شك في أن دمشق راضية عما حصل: فالأسد أثبت أنه من طريق إسناد ظهره إلى روسيا يستطيع أن يؤثر في التوازنات الدولية والتطورات الاقليمية أكثر مما يسع أنقرة فعله. ويسوِّغ أردوغان موقفه من البيان الرئاسي الأممي بالقول إنه لا يمكن القبول بالمساواة بين النظام والمعارضة، وإن مثل هذه المساواة يجافي العدل. وحرص أردوغان على الإدلاء بهذا التصريح فيما كان أنان يزور دمشق وقبل ختام الزيارة، ليثبت الموقف التركي. ويشير إعلان أردوغان أن الأسد لا يزال صامداً بسبب دعم روسياوالصين وإيران، إلى أن أنقرة تتهم هذه الدول بالمسؤولية عن إطالة عمر الأزمة. لذا، لا يستهان بأهمية زيارة أردوغان طهران أثناء عودته من سيول. والأغلب على الظن أن يوجه أردوغان رسائل قوية إلى القيادة الايرانية تتناول الدعم الذي تقدمه إلى دمشق. ومنذ بداية الأزمة، سعت تركيا الى إقناع أعضاء مجلس بالإجماع على موقف واحد من الأزمة السورية. وأعلن أكثر من مرة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، أن السبيل الوحيد الى حل الازمة السورية هو إنهاء الانقسام في مجلس الأمن. لكن الإجماع على البيان الرئاسي جاء على غير ما تشتهيه أنقرة، وأدى إلى إحراجها، لأنها هي مَن طالب بتوحيد الكلمة وإنهاء الانقسام. ويرقى الى السذاجة توقُّعُ وقف الأسد الحملات العسكرية والوحشية على المدن السورية، بعد أن تيقن من أن التدخل الخارجي ضده ليس محتملاً، بل لعله سيفاقم بدءاً من اليوم وتيرة حملته وشراستها. وصار الأسد يعرف أن الخطوة التالية ستكون الجلوس للتفاوض مع المعارضة نزولاً على"ضغوط"موسكو. وهو يريد أن يعزز قوته مقابل المعارضة قبل بدء أي حوار. والمعارضة التي تؤكد أن الاسد لن يجلس الى طاولة حوار وأنه لا يعترف بالمعارضة، لم تفلح بعد في توحيد أصواتها والاتفاق على نهج واحد ولواء سياسي مشترك يصوغ نظرتها الى المستقبل، ولم تجمع على موقف من هذه التطورات الديبلوماسية والدولية. بالتالي، تواجه أنقرة مأزقاً ديبلوماسياً الآن مرده مهمة كوفي أنان وحوادث سورية. وتبرز الحاجة الى حملة ديبلوماسية قوية في اجتماع"أصدقاء سورية"الذي سيعقد في اسطنبول بعد أيام قليلة. والاجتماع هو امتحان للديبلوماسية التركية وإمكاناتها الفعلية. * معلّق ومحلل، عن"مللييت"التركية، 26/3/2012، اعداد يوسف الشريف