"من يكذب أكثر"هو عنوان حملته مجلة"لوبوان"الفرنسية مع صورة للمرشحين الأساسيين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، الرئيس نيكولا ساركوزي ومرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند اللذين يظهر التشكيك المتبادل في برامجهما. وتستعد فرنسا لانتخاب رئيس لولاية من خمس سنوات في 6 أيار مايو المقبل، على أن تبدأ الجولة الأولى من الاقتراع في 22 نيسان أبريل. ومنذ إعلان ساركوزي ترشحه رسمياً في 15 شباط فبراير احتدمت المعركة الانتخابية، وحتى الآن يتقدم هولاند على ساركوزي، فكل استطلاعات الرأي يعطي المرشح الاشتراكي للجولة الثانية تقدُّماً على ساركوزي بفارق واسع إذ توقعت استطلاعات"إيبسوس"فوز هولاند ب 59 في المئة، وحصول ساركوزي على 41 في المئة، في حين أعطت"أوبنيون وي"56 في المئة لهولاند و44 في المئة لمنافسه الأول. لكن عدد المرشحين بلغ حتى الآن 11، أبرزهم بعد المرشحَين الأساسيين، مارين لوبن عن"الجبهة الوطنية"الحزب اليميني المتطرف وهي ابنة جان ماري لوبن الذي تمكن في 2002 من الوصول الى الجولة الثانية من الانتخابات كمنافس للرئيس السابق جاك شيراك، وفرانسوا بايرو رئيس حزب الوسط وجان لوك ميلانشون ممثل جبهة اليسار المتشدد. وكانت التوقعات احتمال تقدم بايرو في الجولة الأولى، مع احتمال نيله 17 في المئة من الأصوات، إلا أن استطلاعات الرأي أظهرت تراجعه أخيراً، ويشهد بايرو هجوماً عليه من هولاند، في حين هو خصم أيضاً لساركوزي وبرنامجه. ومن الوجوه المعروفة دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء في عهد شيراك، وهو مرشح مستقل باسم حزب"جمهورية متضامنة"الذي أسسه، فنسبة مؤيديه وفق استطلاعات الرأي ضئيلة جداً قد لا تتجاوز واحداً في المئة، ما قد يضطره الى الانسحاب، علماً أنه يصر على الاستمرار في معركة من دون قدرات مالية أو تأييد واسع. وهناك بعض الأسماء الأقل شهرة لمرشحين بينهم القاضية السابقة إيفا جولي، والنائب اليميني نيكولا دوبون دينيان، والوزيرة السابقة كورين لوباج وباتريك لوزيس وفيليب بوتو. قبل إعلان ساركوزي ترشحه. كانت مارين لوبن تتقدم، وساد تخوف من أن تصبح في الجولة الثانية منافسة لهولاند، مثلما كان والدها منافساً لشيراك. لكن شعبيتها بدأت تتراجع إثر تصريحات أفقدتها صدقيتها في أوساط كانت تتردد في تأييدها. فلوبن صرحت بأن كل اللحم في العاصمة الفرنسية هو لحم حلال، وأن الناس يأكلونه ولا يعرفون، ما أثار غضب المزارعين والمسؤولين عن القطاع في باريس الذين نفوا الأمر لكنها تمسكت بادعائها لتخويف الشعب الفرنسي من الإسلام. ووحدها لوبن في الوسط السياسي الفرنسي تدافع عن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، وتراجعت شعبيتها بعد إطلالات تلفزيونية أظهرت ضعف معرفتها بالشؤون الاقتصادية، إذ قالت إنها تريد إخراج فرنسا من اليورو، والعودة الى الفرنك. أما خصم لوبن الأساسي الذي يواصل هجماته عليها فهو مرشح اليسار ملانشون، البليغ في حملاته على"النصف مجنونة"، وعلى ساركوزي"المهووس بشخصه". وتراجعت مرشحة الجبهة الوطنية 2.5 نقطة في استطلاعات الرأي التي كانت تعطيها في البداية 17.5 في المئة. وبعد بدء حملة ساركوزي في اجتماع لحزبه، اتحاد الحركة الشعبية، في مرسيليا بدأ يتقدم في استطلاعات الرأي لكنه بقي وراء المرشح الاشتراكي، مع فارق ملموس لمصلحة هولاند. ويعزز ساركوزي موقعه لدى اليمين الديغولي رغم أن تقدمه لم يظهر أنه سيتجاوز منافسه هولاند. والحملة كما يبدو الآن، ستؤدي إلى منافسة تقليدية بين مرشحي الحزبين الأساسيين، الاشتراكي مع احتمال فوز هولاند وحزب اتحاد الحركة الشعبية مع الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. لكن حظوظ الأخير لم تتبدد بعد، فهو يسجل نتائج جيدة داخل حزبه 87 في المئة، أي أعلى نتيجة منذ آب أغسطس 2009، في حين يسجل هولاند أفضل نتيجة إذ يحظى بتأييد 89 في المئة من أنصار حزبه. أما بايرو رئيس حزب الوسط فسجل تراجعاً بعدما كانت استطلاعات الرأي تعطيه 17 في المئة. والآن وقد اعتبر ساركوزي أن منافسه الأول هو هولاند قرر حملة عليه، مظهراً ان وعوده الانتخابية لا يمكن ان يحققها، كما يتهمه بالكذب. وفي أحد اجتماعاته الانتخابية في بلدة آنسي، قال ساركوزي مشيراً إلى تصريحات سابقة لهولاند من دون أن يلفظ اسمه:"عندما يزعم للصحافة البريطانية انه ليبرالي، ثم للفرنسيين انه عدو الأوساط المالية فهذا كذب في الصباح والمساء". ورد هولاند بأن هذا الهجوم هو تزوير ومناورة وكاريكاتور. وفي ظل أزمة اقتصادية تجتاح أوروبا، يريد كل من المرشحين أن يظهر بصفته الأجدر وكونه صادقاً. فساركوزي يقول إنه مرشح الحقيقة ضد الحلم الذي يتحول دائماً الى كابوس، أما بايرو فيقول:"الشعب الفرنسي يريد الحقيقة وكل من ساركوزي وهولاند يكذب، أنا سأكون من حزب الحقيقة". ويتهم ساركوزي بأنه قدم 70 بليون يورو هدايا إلى الأثرياء. الحملة الانتخابية تشهد أوضاعاً صعبة للرئيس الفرنسي، إذ تتزامن مع أزمة اقتصادية متفاقمة، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، فيما يتوقع ارتفاع الضرائب لأن خزينة الدولة فارغة. فالمواطن الفرنسي كثيراً ما ينحو الى معاقبة الحكم القائم ولو كان غير مسؤول عن الوضع. ووراء شعبية هولاند أنه أولاً ليس في الحكم ولم يجرّب بعد، إضافة إلى كونه شخصية عادية لا تمثِل تحدياً للناخب الفرنسي. أما شخصية ساركوزي فكثيراً ما أثارت الاستياء، بسبب طباعه الانفعالية وطريقة حياته في البداية، مع نشر تفاصيل شؤونه الخاصة والظهور في مطاعم باريسية مرموقة مثل"الفوكتس"، حيث احتفل بانتخابه عام 2007. لكن ساركوزي غيّر نهجه وأصبح رئاسياً أكثر، كما يرغب الفرنسيون. وخبرته وتحركه الدائم لمعالجة أزمات اليورو واليونان وليبيا، بإمكانهما أن يضيفا رصيداً لمصلحته. ونتيجة الاقتراع الرئاسي ما زالت بالطبع غير محسومة، ولو ان الاعتقاد السائد هو فوز هولاند. ولكن لساركوزي حظوظ ما زالت واردة، خصوصاً أنه معروف بإبداعه في الحملات الانتخابية. معه تظهر زوجته كارلا بروني، ومع خصمه هولاند رفيقة حياته الصحافية فاليري ترييرفالير، ما يثير تكهنات حول أي منهما تحظى بشعبية أكبر، وأظهر استطلاع رأي تأييد 27 في المئة لكارلا و15 في المئة لفاليري. الفترة المتبقية قبل الاقتراع نحو 60 يوماً، وكل الاحتمالات ما زال وارداً. أما على صعيد السياسة الخارجية فلا فرق كبيراً بين المرشحين، فيما الأسلوب مختلف. ويشدد على رغبته في تغيير المعاهدة الأوروبية على أن يعيد مراجعتها مع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل. أما بالنسبة إلى العالم العربي فمصالح باريس تبقى نفسها، ويؤيد هولاند السياسة الحالية لفرنسا حول سورية والثورات العربية. لكن ما يثير دهشة المراقبين هو أن عدداً كبيراً من ديبلوماسيي الخارجية الفرنسية وموظفي الدولة، يعتبرون أن المعركة حسمت لمصلحة هولاند، ويردد بعض أنصار اليسار تكهنات عمن سيعيّنه الأخير وزيراً للخارجية، رئيس الحكومة السابق لوران فابيوس الذي أوفده أخيراً إلى الشرق الأوسط، أم جان لوي بيانكو الأمين العام للرئاسة في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. المعركة لم تحسم بعد، والمفاجآت واردة في الاقتراع الرئاسي.