في كل مرة يطل فيها أصحاب"الحنكة"الاقتصادية على الناس من خلف منبر اقتصادي محلي أو عالمي، يبشرون العالم بالوضع الاقتصادي الإيجابي، حتى لو كانت السلبية واضحة في كل زاوية من زوايا الاقتصاد العالمي، وبالنتائج الإيجابية التي توصلت إليها المحادثات والنقاشات، وان الحل آت لا محالة، بغض النظر عن الوقت الذي يستلزمه والآثار التي سيتركها على الشعوب التي هي دوماً"كبش المحرقة"، إن صح التعبير. وفي كل مرة، نقنع أنفسنا، أن المتحدثين هم أصحاب الدراية والمعرفة، وهم أصحاب القرار وإليهم أولينا أمورنا، ربما لأن الصورة التي ينقلها الإعلام إلينا هي خلاصة التفاؤل فقط. لكنها المرة الأولى منذ فترة التي يظهر فيها رواد المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بوجوه متشائمة، وتصريحات صريحة عن سوء الأوضاع الاقتصادية في كل العالم. فالمشكلات هي هي، منذ ثلاث سنوات حتى اليوم، لا بل ازدادت عمقاً وتوسعاً وتعقيداً لتتحول إلى مشكلات سياسية واجتماعية وإنسانية. فالأزمة المالية العالمية لا تزال جاثمة وإلى جانبها أزمة منطقة اليورو التي انطلقت من اليونان وامتدت اليوم إلى كامل منطقة اليورو من دون استثناء. ومشكلات الاقتصاد في العالم العربي لا تزال هي هي، وإلى جانبها أزمات سياسية تنتقل من بلد إلى آخر، وتحدي النمو الاقتصادي وتأمين الوظائف لم يتغير منذ سنوات حتى اليوم، ناهيك عن تفاقم أزمة المياه والطاقة النظيفة والتغير المناخي، وعناوين لها بداية ولا تعرف نهاية. إذاً، التحول هذا العام لم يكن في إطلاق وعود وقرارات يترقبها المسؤولون من كل حدب وصوب للاعتماد عليها في رسم سياسات اقتصادية متنوعة، وإنما في صراحة التعبير عن تدهور الأوضاع، وفي جرأة النقاشات التي لم يكن هدفها الصدق في التعاطي مع الرأي العام ربما، بمقدار ما كانت الحقيقة واضحة لا يمكن إخفاؤها. ولعل الأرقام التي كشفت عنها الدراسة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول"مؤشر الثقة العالمية"هي دليل واضح على عمق الأزمة التي يمر بها العالم، خصوصاً أن 54 في المئة من الخبراء الدوليين يشعرون بخوف حقيقي مما وصفوه الاضطراب الجيوسياسي الكبير المتوقع خلال هذا العام. وأوضحت الدراسة وجود أزمة ثقة بين صانعي القرار السياسي والاقتصادي وكبار الأكاديميين والمفكرين، إذ أعرب 60 في المئة من المشاركين فيها عن عدم ثقتهم في حسن التعامل مع تلك الأزمات الحادة. هذا التغيير في أسلوب طرح أصحاب القرار للمواضيع على طاولة النقاش في دافوس، والدعوات المتكررة إلى البحث عن طرق جديدة في التفكير لمقاربة الأزمات، تدفع الإعلام العالمي إلى البحث هو أيضاً عن أساليب جديدة لنقل الحقائق الحقيقية، لا تلك التي يقدمها المجتمعون، خصوصاً أن الإعلام التقليدي لم يعد هو المصدر الوحيد للمعلومة، في ظل تحول أصحاب القرارات أنفسهم إلى إعلاميين فوريين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد التغيرات في التعاطي مع الأمور في دافوس، وإلى حين تصبح فيه الحياة الاقتصادية وردية، تبقى الحقيقة المباشرة وحدها القادرة على الفوز بثقة الناس. * مدير أول للعلاقات العامة في شركة"صحارى"للاستشارات الإعلامية