حملت المعارضة اليمينية واليمين المتطرف بشدة على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند غداة بيان غير مسبوق أصدره القصر الرئاسي وأقر للمرة الأولى بسؤولية فرنسا عن"القمع الدامي"الذي أودى بحياة العديد من الجزائريين خلال تظاهرة شهدتها باريس في 17 تشرين الأول اكتوبر عام 1961 للمطالبة باستقلال الجزائر. وقال رئيس الوزراء السابق فرانسوا فييون حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، في تصريح إلى إذاعة"أوروبا واحد"إنه"سئم من لجوء فرنسا كل 15 يوماً إلى اكتشاف مسؤولية جديدة تقع عليها"وتضعها في حال"شعور دائم بالذنب". وكان هولاند خرج عن صمت التزمته فرنسا على مدى أكثر من خمسين عاماً ليؤكد في بيان مقتضب انه"في 17 تشرين الأول من العام 1961 تعرض جزائريون تظاهروا للمطالبة بالاستقلال إلى قمع دامٍ أدى إلى سقوط قتلى". وأضاف البيان"أن الجمهورية تُقر بجلاء بهذه الوقائع"، وان فرنسا تُحيي ذكرى الضحايا الذين سقطوا"بعد مضي 51 عاماً على هذه المأساة". والواضح أن هولاند الذي يعتزم زيارة الجزائر في كانون الأول ديسمبر المقبل، أراد تنقية صفحة مؤلمة من تاريخ العلاقات الفرنسية - الجزائرية على غرار ما كان فعله الرئيس السابق جاك شيراك عندما حاول تنقية صفحة أخرى من تاريخ فرنسا بإقراره بسؤوليتها عن الاعتقالات التي استهدفت مجموعات من اليهود في باريس عام 1942. لكن فييون رأى أن التطرق إلى هذا النوع من الأحداث ليس شأن رئيس الجمهورية بل هو شأن المؤرخين، وقال إن فرنسا بلد"يعاني أساساً من انهيار عصبي مستمر ولسنا في حاجة إلى المزيد". وكان رئيس الكتلة النيابية لحزب"الاتحاد من أجل الجمهورية"اليمين المعارض كريستيان جاكوب علّق على بيان هولاند بالقول"إنه من غير المقبول زج الشرطة الجمهورية ومعها الجمهورية بأكملها"في الحادثة ضد المتظاهرين الجزائريين. وأضاف جاكوب أن ما تطرق إليه هولاند يمثّل"عناصر مؤلمة جداً من تاريخنا"، ملاحظاً أن أياً من أسلاف الرئيس الحالي لم يقحم مسؤولية فرنسا في هذا الإطار ومذكّراً بأن بلاده كانت في العام 1961 في عهد الرئيس الراحل الجنرال شارل ديغول وكانت تتحلى بديموقراطية فعلية. وانتقد مؤسس"الجبهة الوطنية الفرنسية"اليمين المتطرف جان ماري لوبن بدوره موقف هولاند لكنه بخلاف المعارضة اليمينية اعتبر أن لا الرئيس الحالي ولا شيراك من قبله"مخولان الإقرار بذنب فرنسا أو براءتها"من هذا الشأن أو ذاك. وفور انتشار نبأ بيان هولاند، تجمّع عدد من الجزائريين عند الجسر الواقع على نهر السين حيث قُمعت التظاهرة من أجل الاستقلال وأعربوا عن ارتياحهم لما وصفوه ب"الإنصاف للتاريخ"وألقى العديد منهم باقات ورد في النهر تكريماً لذكرى الضحايا. وكانت الرواية الرسمية الفرنسية عن هذه التظاهرة اكتفت حتى الآن بالقول إن عدد القتلى الذين سقطوا في ذلك اليوم نتيجة القمع لا يتجاوز 7 أشخاص في حين أن شهادات عدة تحدثت عن سقوط مئات القتلى رُميت جثثهم في النهر. وفي الجزائر، رحّب الوزير الأول عبدالمالك سلال ب"النيات الحسنة"التي أظهرتها فرنسا لطي الصفحة بخصوص مجازر تشرين الأول أكتوبر 1961 ضد الجزائريين في باريس، وأشار سلال في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس إلى أن فرنسوا هولاند"كان قد قام خلال حملته الانتخابية للرئاسيات برمي ورود في نهر السين اعترافاً منه بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين آنذاك".