القيادة تهنئ رئيس الجمهورية التونسية بمناسبة إعادة انتخابه لمدة رئاسية جديدة    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على الشرقية ومكة    نزاع على 18 مليار دولار في قاع البحر    مشاعر شعب وصحة ملك    «حمدالله» يظهر أمام النصر    بنزيما يهدد صدارة ميتروفيتش    أمير منطقة نجران يكرّم اللواء الشهري    الأمطار تكشف عيوب السفلتة.. شوارع جازان تحتضر    منح المدارس صلاحيات كاملة لإدارة وتحسين التعليم والتعلم    مصادر «عكاظ»: تطبيق الاختبارات المركزية خلال العام الحالي    11 أكاديمياً بالجامعة الإسلامية ضمن قائمة 2 % لأفضل الباحثين عالمياً    5 حلول لنوم المسنين بشكل أفضل    إدانة دولية لمساعي الاحتلال حظر أنشطة «الأونروا»    «واتساب» يعزز مكالمات الفيديو بالفلاتر والخلفيات    نائب أمير منطقة مكة يقدم الشكر لمدير عام فرع وزارة الخارجية السابق    نائب أمير منطقة مكة يطلع على تقارير اعمال هيئة المساحة الجيولوجية    أمير الشرقية وسمو نائبه يستقبلان أعضاء مجلس إدارة نادي النهضة الرياضي    الأخضر يواصل تحضيراته لليابان .. ونزلة برد تمنع "البريكان"من المشاركة في التدريبات    (ينافسون الهلال خارج الملعب)    6 لاعبين ضحايا الرباط الصليبي في الريال    « محرز وإيبانيز وماني» في التشكيلة المثالية آسيوياً    توقيع مذكرة تفاهم بين إمارة الشرقية ومعهد الإدارة العامة    الملتقى الدولي يناقش التجارب والتحديات.. ريادة سعودية في تعزيز المسؤولية الاجتماعية    توقيع عقد تنفيذ مشروع ربط السوق الخليجية للكهرباء مع جمهورية العراق    عودة الى موضوع مستحقات نهاية الخدمة    اليوم العالمي للمعلم    عزيز وغال في رفاء    محافظ الطائف يشهد توقيع إتفاقيات بين التعليم وعدد من القطاعات    مدير تعليم البكيرية يرأس اجتماع مديري ومديرات المدارس    تفعيل الاستدامة في الجامعات    ضمن المرحلة الأولى من المخطط العام.. تدعيم وإنقاذ 233 مبنى تراثياً في جدة التاريخية    وزارة الداخلية تُقدم خدماتها الإلكترونية لزوّار معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024    الصندوق الثقافي يختتم مشاركته في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024    العقد النَّضيد    السقف الزجاجي النفسي    هل ينتهى السكري الحملي بالولادة ؟    الأوعية البلاستيكية السوداء مصدر للمواد المسرطنة    «الرياض» غير الربحية.. تمكين الأحياء السكنية!    نادي الشايب لتعليم الفروسية في بيش يقيم الحفل السنوي لانطلاق أنشطته    معركة الوعي الإلكتروني!    الصحة توصيك: (الحق نفسك)    «نزاهة» في مواجهة الفساد: صراع الشفافية من أجل التنمية    في معنى الاحتفاء بالحكم الرشيد    انتصار خالد مشعل الوهمي !    ملتقى الرؤساء التنفيذيين.. طموح يتحقق    الإلتفاف حول السعودية: ضرورة إستراتيجية لمستقبل العرب    تراث جدة    والشعراء يتبعهم الغاوون    دام عزك يا وطن    لبنان: 2083 قتيلاً حصيلة العدوان الإسرائيلي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين شمال قطاع غزة إلى 37 شهيدًا    370 منحة تعليمية جامعية يقدمها البنك العربي الوطني لأبناء الشهداء    مانجا تكشف «أساطير في قادم الزمان» لكل العالم    محطة مشرقة في التاريخ    مفتي عام المملكة يستقبل نائب رئيس جمعية التوعية بأضرار المخدرات بمنطقة جازان    فرع الإفتاء يفعل مبادرة "الشريعة والحياة" في جامعة جازان    نائب أمير مكة المكرمة يلتقي رئيس مجلس إدارة شركة الزمازمة    أزمة قلبية تنقل نشوى إلى المستشفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدايات في أميركا واليابان مع تلكؤ فرنكوفونيپ. الترانزستور بدل أرسطو في عصر "الإنسانيات الرقمية"
نشر في الحياة يوم 27 - 01 - 2012

هل أصبحت الأدوات الإلكترونية فائقة التسلّط في القرن 21، إلى حدّ أنها تسيطر فعلياً على فكر البشر؟ هل صار"الماوس"طريقة للتفكير، وليس مجرد أداة تساعد من يفكر؟ هل بات الترانزستور الذي يستضيف الكومبيوتر بلايين منه في"عقله"، بديلاً من أرسطو والفلسفة بعمومها؟ هناك خيط يربط هذه الأسئلة، إذ يفترض أن أدوات المعلوماتية كلها، بداية من الكومبيوتر ووصولاً إلى الشبكات المتطوّرة للذكاء الإصطناعي، هي أدوات تعين الباحث، ويفترض أن تبقى مجرد أدوات تعين الفكر الإنساني في رحلته الدؤوبة للبحث عن المعرفة. هل وصلت هذه الأدوات إلى درجة من التطوّر بحيث صارت هي التفكير بحد ذاته ربما هي التي ترسم حدوده وقدراته، ولم تعد مجرد أدوات تساعد العقل البشري؟
الأرجح أن إدخال المعلوماتية إلى مجالات العلوم الإنسانية لم يقتصر على إبقائها في خانة الأدوات المُساعِدة، كأن تكون حلاً لمشاكل الطباعة مثلاً. إذ تتطلّب المعلوماتية ان تُدرس كعلم، خصوصاً أن تُربَط مع العلوم الإنسانية. وبالعودة إلى تاريخ المعلوماتية، نرى أنها موجودة قبل الكومبيوتر. إن الحاسوب ليس الا التطور التقني للدوائر الإلكترونية ترانزستور التي تشكّل الهيكل المادي الفيزيائي للعالم الرقمي.
رحلة إلى البداية
الأرجح أن أسس المعلوماتية تكمن في فلسفة أرسطو، بداية من القياس المعروف كل إنسان زائل -أرسطو هو إنسان- اذاً أرسطو زائل، والتفتيش عن الحلول عبر تجزئة المسائل المعقدة إلى مسائل بسيطة، وبالتالي فإنّ حل المسائل البسيطه يؤدي إلى حل المسائل الشاملة وغيرها. يعلم مبرمجو الكومبيوتر جيّداً أن برامج المعلوماتية ترتكز على هذه القواعد المنطقية. وللتذكير، قدّم العرب مساهمة كبرى في تطوّر المعلوماتية، عبر تأسيس الخوارزمي لعلم الجبر وصنعه جداول الخوارزميات التي تسمى"لوغاريتمارت"algorithms في اللغات اللاتينية. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر تحوّل منطق أرسطو معادلات رياضية للمنطق، بفضل مساهمات من علماء عدّة، ربما أقربهم الى المعلوماتية هو الإنكليزي جورج بوول، الذي اشتغل بالرياضيات والمنطق.
اذاً، على العاملين في مجال العلوم الإنسانية ان يتخطوا الحاجز الوهمي باعتقادهم ان المعلوماتية وُلدت للحساب، ما ادى إلى الخوف من الغوص في مجال المعلوماتية. يجدر بهم تذكّر أن الفكر هو حساب أيضاً، في كثير من الاحيان. بقول آخر، يجب ألا يبقى الحاسوب في نظر المشتغلين بالعلوم الإنسانية، صندوقاً أسود من الصعب الدخول الى عوالمه.
ماذا عن المعرفة بحد ذاتها، بمعنى عملية إدارك المعرفة وفهمها؟
من المستطاع الحديث أولاً عن الأدوات الفكرية التي يستخدمها العقل البشري في معالجة المعرفة بمكوناتها كافة، خصوصاً اللغة والرموز التي تمثّل المعرفة من جهة، وتسمح بتشكيلها من جهة ثانية. وترتسم صورة تسمح بالتفكير بأن الحاسوب أيضاً يستطيع أن يتعامل مع اللغة والرموز، عبر اتّباع القواعد التي يستنبطها الفكر البشري باستمرار. إذ تنتج المعرفة عبر فهم أدوات الفكر في التعامل مع المعرفة والآليات التي تسيّرها وتتحكم بها. في زمن الفلسفة السقراطيه وما قبلها، كانت أدوات الفكر توصل الى المعرفة، إما من خلال استخدام المعنى أو من خلال استخدام التفكير المنطقي. وقد ميّز هؤلاء الفلاسفة معرفياً بين ما يُفتَرَضْ أن يأتي من الطبيعة نفسها، وما يأتي من القاعدة أو العرف أو التشريع.
ومن وجهة التداخل بين العلوم النظرية والتطبيقية، يمكن اللجوء الى علم ال"إبستمولوجيا"Epistemology، الذي يُعرّف بأنه"فلسفة العلوم"أو"عِلْم المعرفة". تفيد ال"إبستمولوجيا"في إعطاء هيكل منظّم للمبادئ والمفاهيم الأساسية للعلوم التي يتوقّع أن تستجد في سياق عملية التفاعل بين المعلوماتية والعلوم الإنسانية. بقول آخر، يتطلّب هذا الأمر إعاده تركيب ال"إبستمولوجيا"، بل إعادة إنتاج نظرياتها. يسمي البعض هذه العلمية بأنها إنتاج لنظرية جديدة هي"ميتا - إبستمولوجيا"mژta-ژpistژmologie.
من المستطاع تقسيم ال"ميتا - إبستمولوجيا"الى ثلاثة فروع هي: النحو الذي يهتم بالرموز وتراكيبها، الدلالة التي تهتم بدراسة المعنى، والتأويل "هرمونيتيكا"Hermeneutics الذي يهتم بدراسة التفسير.
في الأفق أن المعلوماتية تسعى لإستثمار هذه العلوم لصنع آلات تستطيع إنجاز عمليات"ذكية"بمعنى أنها تتصرف بطريقة تشبه ما يفعله الإنسان في التفكير والسلوك وإيجاد حلول لما يواجهه من مشاكل وغيرها. السؤال المقلق هو: هل تقوم هذه الآلات بإعادة إنتاج المعرفة الإنسانية نفسها، بمعنى إنتاج فكر جديد، بمعنى أن يراه البشر جديداً أيضاً؟
المجتمعات الإفتراضية"تجربة"عن الحقيقة
ثمة أسئلة اخرى. هل المنهج المتبع بحوث العلوم الإنسانية له تأثير على هدف الدراسة؟ هل تُحدّد نُظُم التصنيف هدف الدراسة نفسها؟ هناك ترابط بين المعلوماتية التي تظهر دوماً كشيء له فعّالية مُحدّدة، وعلوم الإنسانيات الميّالة إلى المراقبه والتنظير. واستطراداً، يبدو علم"الإنسانيات الرقمية"Digital Humanitics أنظر"الحياة"في 24 كانون الثاني/ يناير 2012، كأنه يجمع بين هذين الأمرين، ضمن ما يمكن تسميته ب"الفكر المعلوماتي".
في معظم الأحيان، يتناسب هذا الفكر مع المنهج التجريبي في العلوم الإنسانية، الذي يستنبط مفاهيمه بالإستناد إلى الحالات التي يراقبها. وتميل العلوم الدقيقة الى الأخذ بالمنهج التجريبي. في المقابل، ربما يفرض عصر المعلوماتية الأخذ بهذا المنهج في العلوم الإنسانية أيضاً، بل تستطيع أدوات المعلوماتية مساندة الميل التجريببي في العلوم الإنسانية. مثال؟ يعمل بعض علماء الإجتماع في أميركا على مواقع المحاكاة الإفتراضية للظواهر الإجتماعية مثل موقع"حياة ثانية"Second Life، للحصول على بُعد جديد في فهم المجتمعات الحقيقية.
الأرجح أن تصبح اللغة مجالاً لعمل مُشابه، تحت تأثير الصعود المتواصل في علم"ألسنيات الكومبيوتر"Computer Linguistics.
وإضافة إلى ذلك، بدأ هذا التطور في التأثير على قطاعات الحياة جميعها. وتالياً، تأثّرت مؤسسات التعليم ومراكز البحوث بهذه الوقائع أيضاً، بمعنى أنها تأثّرت بعملية التفاعل بين أدوات المعلوماتية والمعرفة الإنسانية. واستطراداً، لا بد من الإشارة الى أن هذا الأمر لم يتبلوّر كليّاً بعد، بل أنه قيد الظهور حاضراً.
وتغيب"الإنسانيات الرقمية"، عن الدول غير المتقدّمة. ولا تقتصر"الإنسانيات الرقمية"على استعمال وسائل الإتصال الرقمية والأدوات المعلوماتية في البحوث والجامعات، بل تتطلب تحديداً لاستراتيجيات البحث العلمي نفسه، خصوصاً الإهتمام بالتداخل بين تخصّصات العلوم الإنسانية مع بعض بعضاً من جهة، ومع التكنولوجيا الرقمية من الجهة الثانية.
قد تصبح هذه الاشكالية مُلحّة بشدّة مع تطوّر الإنترنت إلى ما يسمى"الويب 2.0"و"الويب 3.0"، مع ما يحمله من أدوات متاحة لتبادل المعرفة العلمية ونشرها.
وفي الوقت الحاضر، تعمل الشبكات العلمية ومفاهيم الذكاء الجماعي على إحداث تغيرات في المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية كلها.
* أكاديمي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.