تستمر التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز ومن ثم وقف تدفق النفط الخليجي إلى الأسواق العالمية، وترد واشنطن بأنها لن تسمح بإغلاق المضيق، وعلى ضوئه ترسل بوارجها تحسباً. لكن اللافت في هذه الأزمة هو استقرار الأسعار عند 110 دولارات لبرميل"برنت"، على رغم كل هذه التهديدات. هناك طبعاً أزمة الاقتصاد الأوروبي، كما أن العقوبات المقررة على الصادرات النفطية الإيرانية المقدرة بنحو 2.5 مليون برميل يومياً بسبب"معلومات جديدة"أوردها التقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية عن برنامج إيران النووي، ستنفذ تدريجاً، ما يطيل عمر الأزمة وتداعياتها. لم تأخذ العقوبات المفروضة كامل مداها حتى الآن. كذلك لا تستورد الولاياتالمتحدة النفط الإيراني، بينما يتراوح معدل استيراد الدول الأوروبية ما بين 400 ألف برميل يومياً و800 ألف. وطلبت بعض الدول الأوروبية تمديد فترة الاستيراد إلى أن تتأكد من الحصول على إمدادات بديلة كافية. ويسمح القانون الأميركي المعني للرئيس باراك أوباما بالانتظار فترة طويلة قبل تنفيذ العقوبات، ويعطيه أيضاً الحق بأن يغض النظر كلياً عن تنفيذ العقوبات إذا اقتضت المصلحة الأميركية العليا ذلك. وتحاول الديبلوماسية الأميركية إقناع حلفاء واشنطن الآسيويين بخفض وارداتهم من النفط الإيراني. لكن نجاح هذه الاتصالات محدود نسبياً حتى الآن، فبعض كبار المستوردين للنفط الإيراني مثل الصين والهند قرروا الاستمرار في اتفاقاتهم، أما اليابان وعلى رغم تأكيد وزير المال الياباني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي في طوكيو، أن بلاده ستوقف وارداتها من النفط الإيراني، قال رئيس الوزراء الياباني صرح عكس ذلك تماماً في اليوم التالي، إذ اعتبر أن التصريح يعكس الرأي"الشخصي"للوزير وأن اليابان في صدد التشاور مع شركاتها قبل اتخاذ أي قرار في هذا الصدد. أما كوريا الجنوبية، فأصدرت بياناً طويلاً عن الأزمة، من دون الإشارة لا من قريب أو بعيد إلى احتمال وقف وارداتها النفطية والبتروكيماوية من إيران. لكن عدداً من الدول أخذ يخفض وارداته من النفط الإيراني، وهذا ما يزعج إيران، ما دفع مندوب إيران في منظمة"أوبك"محمد علي خطيبي إلى إصدار بيان غريب ومستهجن يحذر فيه دول الخليج العربية من عواقب تعويض النفط الإيراني في حال فرض حصار على الصادرات الإيرانية. وأكدت الدول العربية المعنية في الخليج أن سياستها مستمرة على حالها، وهي تزويد زبائنها بما يطلبونه من النفط الخام، وتلبية الطلب على النفط. وشدد وزير البترول السعودي علي النعيمي على قدرة بلاده على زيادة الإنتاج إلى نحو 11.4 - 11.7 مليون برميل يومياً خلال أيام، وتنفيذ زيادة إضافية أخرى بنحو 700 ألف برميل يوميا خلال ثلاثة أشهر. وهذا يعني أن المملكة تستطيع زيادة إنتاجها الفعلي نحو مليوني برميل يومياً في فترة قصيرة جداً، تضاف إلى نحو 10.5 مليون برميل يومياً حالياً. واستبعد النعيمي إمكانية إغلاق المضيق لفترة طويلة بسبب الآثار المترتبة على الاقتصاد العالمي وردود الفعل المتوقعة. وطبعاً، هناك أيضاً الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى كل من الإمارات والكويت. وتستطيع هذه الدول الثلاث لوحدها تعويض صادرات النفط الإيراني، ناهيك عن صادرات من دول أخرى، وذلك في حال توافر الطلب من الدول المستهلكة. لهذه الأزمة انعكاساتها على"أوبك"التي يرأس العراق دورتها الحالية. فالعراق سيكون من الدول المتضررة الكبرى من إغلاق المضيق، إذ سيفقد إمكانية تسويق ثلثي صادراته النفطية تقريباً. وكتب وزير النفط العراقي السابق إبراهيم بحر العلوم بداية الأسبوع الماضي في صحيفة"المواطن"العراقية، أن"أوبك تواجه اليوم أكبر تحد لها في تاريخها يتمثل في خطر الانهيار كمنظمة اقتصادية. ويواجه العراق في الوقت ذاته أول اختبار لمسؤولياته كرئيس للمنظمة بسبب التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز. فكل الاحتمالات واردة اليوم في ظل التوتر الذي يخيم على المنطقة. وعلى رغم أن هذه الخطوة ستعود بالضرر على إيران والمنطقة، هناك قول لشاعر عربي مفاده، إذا مت ظمآن فلا نزل القطر... والعراق، ليس بصفته فقط عضواً مؤسساً لأوبك، يتحمل اليوم مسؤولية أكبر من أي وقت آخر بأن يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على المنظمة من الانهيار المقبل في ما لو أقدمت إيران على تنفيذ تهديداتها فقرار إيران لو نفِّذ سيكون مسماراً في نعش أوبك". وما لبث وزير النفط العراقي عبدالكريم اللعيبي أن أعرب عن نيته زيارة إيران للتحدث مع المسؤولين الإيرانيين حول آثار الأزمة. أما بالنسبة إلى"أوبك"، فلا بد من أن الوزير العراقي سيلفت نظر المسؤولين الإيرانيين إلى الأخطار المحدقة، ليس فقط بسبب إغلاق المضيق، لكن أيضاً بسبب توقعات الانكماش الاقتصادي العالمي في 2012 نتيجة الأزمة الاقتصادية الأوروبية وتقلص الطلب على النفط، وانخفاض مستوى الأسعار، في وقت وضعت فيه معظم الدول النفطية موازناتها لعام 2012 وفق سعر يقارب 100 دولار للبرميل. لكن نشك في أن يتمكن الوزير العراقي من تغيير وجهة النظر الإيرانية، أو حتى أن يتمكن من التحدث مع الإيرانيين بصراحة نظراً إلى عمق النفوذ الإيراني في العراق. * مستشار لدى نشرة"ميس"النفطية