تنتشر مروحة واسعةٌ من الانتقادات للمعارضة السورية. يجدها المُراقب في الفضائيات والصحافة ووسائل الاتصال الاجتماعي الألكترونية. يصل أكثر هذا الانتقاد حدّ التجريح والتتفيه. أبطال هذه الظاهرة مثقفون سوريون وعرب. البعض منهم مكرسٌ وشهيرٌ. لكن...لماذا؟ وهل حقاً"تستاهل"المعارضةُ السورية؟ غنيّ عن القول إنّ النقد والانتقاد آليتان ناجحتان لكشف وفهْم وإدراك حقيقة الأشياء والظواهر. وهما إلى العقل أقرب. أما التجريح والتبخيس والتتفيه فإنها نتاج الغرائز والعواطف و"النفس"، وكثيراً ما تكون تعبيراً عن مركبات نفسية تُسقَط على الغير، دفاعاً عن ذات جريحة بَخْسة. نسستبقُ القول إن التجريح والتتفيه يطاولان ويقصدان المعارضة المُنظّمة، حتى عندما، وهو الغالب الأعم، لا يصرّح بهذا. إنّ كلاماً مرسلاً مستهيناً ومتفّهاً للمعارضة على وجه العموم يريح الكاتب المُنتقد المُجرّح، ولا يُلْزمه بالشرط الشارط في الموضوعية والعلمية والصدقية. وهو في الحقيقة انفلات"لبراغي"العقل. ولكن ما قيمة تتفيه المعارضة المُنظمة؟ إنها قيمة تقترب من الصفر في فائدتها والأهم أنها صفرٌ من الناحية العلمية. فالمعارضة المنظمة تستخدم هنا كحجة وتبرير ليس إلا، لأن لا أحد يجرؤ على التصريح بإهانة ملايين الناس غير المنظمين. معلومٌ أن المعارضة المنظمة لا دوراً لها في الثورة، إلا في أنها كانت، وربما ما تزال، مخزناً قديماً غير مرتب وتعمّه الفوضى. فإذا ما أراد المرء العثور على غرض من الأغراض، أعياه البحثُ على الرغم من أنه موجود وأنه صالح للاستعمال ول"تمشية"الحال. وإذا كان لا بدّ من النّسب، فإن مساهمة المعارضة المنظمة لا تزيد عن العشرة في المئة أو ما دون من نشاطات الاحتجاج. وليس بنا حاجة لأن نذكر أن أعداد المعارضين المنظّمين متواضعٌ جداً. ولا يفوت المرء الأسباب الكامنة خلف ضعف المعارضة المنظمة، فهي تحملت وتحمل أفرادها ما لم يتحمله أيوب. والحال هذه، ولأسباب ستتضح لاحقاً في هذا للمقال، يصبح التجريح بها كتعذيب شخص مريض واهن ينزعُ بالنفس. هذا أمرٌ لا شرفاً فيه ولا فخراً ولا تُجنى منه فائدة. من الطبيعي أن يجرّح ويتفّه إعلام النظام وكتبته ومثقفوه السوريون منهم والعربُ المعارضة. أما أن يفعل هذا كتبة وناشطون"معارضون"فإنّ في الأمر أكثر من اللبْس. تجدُ كاتباً أو مُعلقاً انترنيتياً أو ناشطاً يشتم المعارضة ويتهمها بكل الموبقات والأخطاء والتقصير في العمل السياسي. ولكن يا أخانا أنت تدّعي المُعارضة؟ فمن تشتم وتسفّه؟ من الواضح أنه في الأشهر الأخيرة تشكل جسدٌ معارض سوري أساسه الشباب. عفويّ الحركة في البداية، لكنّه شرع في الانتظام والتنسيق. وما التنسيقيات والاتحادات إلا تعبير وتأكيد. هذا الجسد يعدّ الآن بالملايين. ملايين من الشباب دخلتْ"فجأة"في العمل الاحتجاجي والسياسي. فما يعمل أولئك الكهولُ والمقتربون من الشخيوخة؟ وهم الذين تعرفوا على الثورات في الكتب! هؤلاء الذين كتبوا مرة أو مرتين أو مرات في الصحف، ثم وفّر لهم الانترنيت ميدانَ سباق لثوراتٍ تخرج من باطن الكتب ولعلمانيةٍ كفاحية حول فنجان قهوة. وهم الذين مارسوا العمل السياسي ذات يوم فتعلموا النجاة بالنفس، كما تعلموا كيف يربّون الذات على فكرة:"علّ في الكلام ولا تفعل شيئاً، تكسبْ صداقة أبو علي في فرع المخابرات أو في السفارة السورية حيث أنت!"، أيْ شرف المعارضة ورضى السلطة. والأنكى أن لهؤلاء سدنة ثقافة وشيوخاً ومعلمين يتوارون خلف ثقافة كتيمة ومترفعة تحتفي باللامعنى وباللعب باللغة وتهجر المعنى واهتمامات الانسان. لا... هذه ليست ثورة كما حلموا وكتبوا. وهي حقاً ليست ما تعودوا على التفكير به. لأنها ثورة بشر من لحم ودم. والثائرون ليسوا أنبياءً وليسوا"غيفارات"وليسوا أبطالاً في رواية. إنهم أنبلُ و"أتفه"من ذلك كلّه. إنهم أبطال الحياة الحقيقيون، وليسوا أبطالاً على ورق. هذا هو النبع الذي تنبجس منه كل تلك الرطانة الثورية. فمن مشترط العلمانية بأشد أشكالها التعصبية، كي يتنازل ويكفّ عن اتهام االمُنتفضين بالسلفية. ومن يكره لحيةَ المتدين الفقير ليبرر اصطفافه مع علمانية ابن الخال رامي مخلوف الباذخة. ومنهم من يشترط عدم الخروج من الجامع كي يصنّف الاحتجاجات في علم الثورات. إنهم واقعياً يهينون ويبخسون حق الملايين الباحثين عن إنسانيتهم. * كاتب سوري