نُظمت في الأسابيع الأخيرة اعتصامات كل يوم اربعاء في روسيا البيضاء تطلَق الدعوة إليها عبر الشبكات الاجتماعية الالكترونية. التجمعات هذه صامتة، ولا ترفع فيها لافتات أو شعارات. وترد السلطات عليها بإغلاق موقع إلكتروني من مواقع المعارضة في يوم التظاهرات. وجرت العادة على حظر مواقع المعارضة والشبكات الاجتماعية في أوقات الانتخابات الرئاسية. علامات الهلع بادية على السلطة، على رغم أن التظاهرات غير عنفية وتلجأ الى وسائل سلمية للاعتراض على الحكم، مثل التصفيق أو رنّ الهواتف في موعد محدد كل أربعاء في عدد من المدن البيلاروسية، واعتُقل إلى الآن نحو ألفي شخص. ولكن، لا يبدو أن ثمة نتيجة ترتجى من هذه التظاهرات، فعدا أن القيّمين عليها يقيمون في الخارج، هم يطلقون شعارات ساذجة وتفتقر الى رؤية أو إستراتيجية، فتدعو واحدة من دعواتهم الأخيرة الى"مقاطعة نظام لوكاشنكو اقتصادياً"، والامتناع عن شراء سلع وطنية، وعدم تسديد الغرامات، وعدم استعمال النقل العام. إن الفشل ينتظر هذه المقاطعة لا شك، فالجميع يعلم أن المواطن في روسيا البيضاء يسدد 30 في المئة من كلفة السكن الفعلية، و25 في المئة من التكاليف الفعلية للنقل العام، بينما يقع الشطر الراجح المتبقي من كلفة النقل العام والسكن على كاهل الدولة. لقد كان حريّاً بدعاة التظاهر، ولبلوغ نتائج ملموسة، دعوة المعتصمين الى خلاف ما دعوا اليه، كدعوتهم -على سبيل المثل- الى عدم استعمال وسائل النقل الخاصة والتنقل في الباصات والمترو. ولو لم تعر السلطات الاهتمام لهذه"الثورة الالكترونية"لكانت شعلتها انطفأت سريعاً، فأعداد مناصريها تتضاءل يوماً بعد يوم. ومشكلة المعارضة في روسيا البيضاء هي أن بواعث أقطابها على الدعوة الى اسقاط النظام، تقتصر على كراهية لوكاشنكو شخصياً ومعاداته، فبعض الاقطاب هؤلاء أُقيل من منصبه في الماضي، واختفى عدد من أصدقاء بعض آخر منهم في التسعينات، وزَجَّ لوكاشنكو عدداً من أقاربهم في السجن. ويوم تجمعت المعارضة في الساحات، لم نسمع أيَّ شعارات إصلاحية اقتصادية، بل نداءات لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمخطوفين. في الواقع، لولا مثل هذه النقاط السود في تاريخ حكم"الباتكا"كما يحلو للبعض تسمية لوكاشنكو، لأمكن القول إن الناخب لا يملك أيَّ سبب للتذمر من النظام، فالبلاد لم تشهد خصخصة مماثلة لنظيرتها في روسيا الشقيقة، والخدمات الطبية ممتازة وشبه مجانية، والرواتب قبل الأزمة الأخيرة كانت معقولة، والأحوال في الدول السوفياتية سابقاً المجاورة، كانت دائماً أسوأ من أوضاع روسيا البيضاء، فالدول هذه نخرها فساد الشرطة، وتملأ النفايات شوارعها، والفقر المدقع متفشٍّ، والقطاعان التعليمي والصحي متداعيان إلى درجة كبيرة. ولا يدرك المعارضون الشباب هذه المشكلات، فهم غير مرتبطين بالمعارضة التقليدية، وعلى خلاف معظم الناخبين البيلاروس، يقصد المعارضون الشباب الاتحاد الاوروبي ويتابعون تحصيلهم العلمي، وهم اختبروا الديموقراطيّة من قرب. لكن من يلبّون دعوة التجمّع في الساحات لم يعرفوا الديموقراطية، بل اختبروا الشعور بالسأم من لوكاشنكو، وهم يريدون أن يعيشوا على المنوال نفسه في ظل حكم شخص آخر فحسب، وهم غير معنيين أيضاً بالدفاع عن حريّة التعبير والإصلاحات أو حقوق الأقليّات. والنتيجة الوحيدة التي يسع الثورة البيلاروسية تحقيقها، هي رهن ظهور وريث للوكاشنكو، كما كان بوتين خليفة يلتسن، أو ميدفيديف خليفة بوتين. لكن السبب الأساسي لعدم ظهور هذا الخلف يعود إلى أن"الباتكا"يتمتع بصحة جيدة. * صحافي، عن"سنوب"الروسية، 14/7/2011، إعداد علي شرف الدين