جمعية ريف تُكرَّم في المنتدى الدولي للقطاع غير الربحي لحصولها على شهادة الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي عن مشروع "مطبخ طويق"    مجموعات المنتخبات العربية في كأس العالم 2026    التعادل السلبي يحسم مواجهة المغرب وعُمان في كأس العرب 2025    600 متطوع يشاركون في تنظيم كأس آسيا تحت 23 عامًا 2026 السعودية    تعرف على أمنية رينارد قبل قرعة كأس العالم    الأخضر الأولمبي يتغلب على البحرين بخماسية في كأس الخليج    الفيفا يتطلع لتقنيات جديدة في التحكيم في كأس العالم 2026    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    تقارير.. حقيقة خروج نونيز من الهلال في الشتاء    نادي وسم الثقافي بالرياض يعقد لقاءه الشهري ويخرج بتوصيات داعمة للحراك الأدبي    رئيس مجلس النواب الهندي يلتقي وفد لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الهندية    سيبراني تختتم مشاركتها في بلاك هات 2025 وتُعزّز ريادتها في حماية الفضاء السيبراني    "إثراء" يحصد جائزة العمل التطوعي للمرة الرابعة    Gulf 4P, CTW & Mach & Tools 2025 المنصّة الإقليمية الرائدة للابتكار والتقدّم الصناعي    بمشاركة 3000 مستفيدًا من منسوبي المساجد بالمنطقة … "الشؤون الإسلامية" تختتم برنامج "دور المسجد في المجتمع" لمنسوبي مساجد الشريط الحدودي بجازان    خطيب المسجد النبوي يبيّن مكانة آية الكرسي وفضلها العظيم    الدكتور المعيقلي يزور مقر الاتحاد الإسلامي في جمهورية مقدونيا الشمالية    مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون يفوز جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    الذهب يستقر مع ضعف الدولار وسط رهانات خفض أسعار الفائدة وتراجع عوائد السندات    النفط يتجه لمكاسب أسبوعية مع آمال خفض "الفائدة" وتصاعد التوترات الجيوسياسية    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    هيئة الهلال الاحمر بالباحة تشارك جمعية الاطفال ذوي الاعاقة الاحتفاء باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    وزير التعليم يلتقي القيادات بجامعة تبوك    جمعية التطوع تفوز بالمركز الأول في الجائزة الوطنية للعمل التطوعي    ملتقى ميزانية 2026 يختتم أعماله    اللواء العنزي يشهد حفل تكريم متقاعدي الأفواج الأمنية    المؤتمر العربي رفيع المستوى يدعو إلى تعزيز حماية الأطفال    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمين جازان يتفقد مشاريع الدرب والشقيق    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    أمير تبوك يستقبل معالي وزير التعليم ويدشن ويضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية بالمنطقة    جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    رصد مسيرات بالقرب من مسار رحلة زيلينسكي إلى دبلن    ب 56 ميدالية .. السعودية تتصدر العالم في بطولة كمال الأجسام    أمير جازان يؤدي واجب العزاء لأحد أفراد الحماية في وفاة شقيقته    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    مفردات من قلب الجنوب ٣١    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجومية الثقافة كما تصنعها الصورة
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 2011

مهما كان إحساسنا بالزمن، فلا يمكن إنكار أن علاقة المثقف النخبوي بالتلفزيون حديثة نوعاً ما، وهي ليست مرتبطة فقط بتوقيت ظهور التلفزيون في هذا البلد أو ذاك بقدر ما هي مرتبطة بالتحولات الجذرية التي وقعت في حقل الثقافة النخبوية. في كتابه البديع"المعلمون والكتاب والمشاهير"الذي نشر عام 1979 يشرح المفكر الفرنسي ريجيس دوبري مسار المثقف في فرنسا عبر ثلاث حقب، تبدأ الحقبة الأولى عام 1880 وتنتهي في 1930 وكانت الجامعة توازي الكنيسة في قوتها. ثم الثانية - التي تتداخل مع الأولى - تمتد من 1920 وحتى 1960 حين ظهرت جماعات أدبية مستقلة على هامش الجامعة، فتمكن النشر من نفض وصاية الجامعة. ثم تأتي الحقبة الثالثة التي بدأت في فرنسا من عام 1968 حتى يومنا هذا، وهي حقبة وسائل الإعلام. تختلف هذه التواريخ كثيراً بالنظر إلى العالم العربي الذي كان يرزح تحت الاستعمار في كل تلك الحقب تقريباً. هكذا انتقلت المراحل الثلاث إلى العالم العربي في شكل مضغوط زمنياً بوضوح، فقفزنا من الجامعة إلى سياسات النشر حتى بدأنا منذ تسعينات القرن الماضي - حين انطلقت القنوات الفضائية - في عصر وسائل الإعلام وبالتحديد التلفزيون إذا كنا نتحدث عن تواجد المثقف. بدت هذه العلاقة في أحيان حميمة وأنيقة وفي أحيان أخرى مملة للمشاهد، إذ تطرح خطاباً لا يمكن أن ينافس الدراما، بل هو خطاب يستعصي على الفهم أحياناً مما يزيد من انعزالية المثقف في شكل مفارق.
بدا الصعود المفاجئ لتأثير التلفزيون أخيراً - بعد أن كان هامشياً وتابعاً لدوائر أخرى ومهملاً من المثقف باعتباره تقليداً ماسخاً للإبداع - وكأنه يهدم أركان الحقل الثقافي والفكري كما يراه بيار بورديو بصفته"نظاماً من العلاقات الاجتماعية التي يتموضع داخلها العمل الإبداعي باعتباره فعل اتصال". ازداد عدد الجمهور المحتمل في حين ضعفت كثافة أو قوة الإبداع. كان الجمهور محدوداً في الحقل الأكاديمي والكتب القراء والندوات، ولكن في عصر التلفزيون اتسعت دائرة الجمهور في شكل غير مسبوق، وكان على المثقف أن يهدم علاقاته الراسخة فكرياً وثقافياً ليخرج إلى دائرة أوسع بكثير وتتحول حياته الفكرية إلى جلسة محاكمة أبدية، فرضا الجمهور يعني الاستحسان والتصفيق، وغضبه يعني الاستياء عبر التعليق بكل الوسائل الممكنة في أحسن الأحوال والمقاطعة في أسوئها. باتساع دوائر الجمهور بدأت منابع الشرعية الفكرية تنضب، بل تغير شكل هذه الشرعية وجوهرها وأصبحت مهارات عرض الفكرة على الشاشة هي المحك الرئيس للحكم. لم يؤد هذا الانهيار الذي وقع لتماسك الحقل الفكري إلا إلى إنتاج أعمال إبداعية"كالحة"بتعبير دوبري، ولكنه انهيار أعطى المثقف في الوقت ذاته حياة جديدة على الشاشة.
في عصر"الربيع العربي"أصبح التلفزيون هو المحرك الأول للفعل، بل وهو أيضاً منتج رد الفعل، ولم يعد الكاتب يرسل رابطاً لمقاله بقدر ما يرسل رابطاً للبرنامج الذي ظهر فيه. ثم ازداد المأزق عندما تحولت القنوات الرسمية - كما هو الحال في مصر - إلى قنوات ثورية معارضة تماماً كالصحف، فانفتح الفضاء بأكمله للمثقف الذي يدلي برأيه في الكثير من المنابر ويدخل في منافسة شرسة ليثبت اختلافه وتميز خطابه. بل إن الأحزاب السياسية التي كانت تعتمد في ما مضى على ندوات التوعية وحلقات التثقيف تعمد الآن إلى البرامج الحوارية لتقدم برنامجها السياسي لأوسع جمهور محتمل، وكأن الشاشة غيرت طبيعة العمل السياسي وحورت استخدام الأيديولوجيا كأداة. ولأن التلفزيون يقوم على الشخصية الفردية وليس الجمعية، فقد تم التنازل عن الكثير من أركان الحقل الفكري من قبيل المدارس والإشكاليات والأطر النظرية، ومن هنا بدأت صناعة النجم. وما إذا كان المثقف عمد إلى هذه النجومية أم لا، ليس إلا جدلاً لا يضيف الى الأمر كثيراً. لقد أصبحت الصورة هي المواكبة للحدث أسرع من الكتاب وفي شكل يلبي احتياجات السوق أولاً ودوائر الجمهور المتسعة ثانياً. لا يمكن أن ننحّي جانباً مسألة سعي كل قناة إلى استقطاب"النجوم"بل و"صناعة النجوم"، تلك الصناعة التي تسير وفق نظام محكم، ويكفي أن يتم تحليل الطريقة التي يقدم بها كل ضيف لنفهم هذا النظام الصارم، فهو غالباً"الخبير"، أو"العالمي"، أو هو كما حادث الآن في مصر الكاتب الصحافي، وهذا ما يعني أن له مقالاً يومياً أو أسبوعياً في صحيفة، وليس بالضرورة أن تكون الصحافة هي مهنته.
هكذا تمت الاستعاضة عن فكرة"الخبير"في العالم الثالث الذي كان في الأصل يعمل وسيطاً بين أوروبا وعالم تحرر من الاستعمار بالمثقف الذي يصنع نجوميته في مجال بعيد تماماً عن الحقل الفكري والثقافي. ولكن تبقى أمام هذا المثقف إشكالية الآن. فقبل زمن الثورة كانت النجومية في الحقل الثقافي تعتمد على الاختلاف والتميز في الخطاب الفكري الذي يتطور بفعل العمل المستمر والجدل الايجابي، أما بعد الثورة - على رغم عدم دقة المصطلح لأنه يفترض انتهاءها - فقد تشابه الخطاب وانعدم تمايز الأفكار، لأن التلفزيون ببساطة يعيد إنتاج أو تقديم خطاب الشارع. يبدو التمايز والاختلاف وكأنهما من خصائص تفتّ في عضد الفرد النجم المثقف، فاتساع عدد الجمهور المحتمل مرهون بترديد قناعاته وتأكيد أفكاره وعدم الاقتراب من المناطق الخطرة في الخطاب التي قد تدفع هذا الجمهور الى الاستياء أو ببساطة الى تحويل القناة. لا يبقى لنا في النهاية سوى خطاب موحد أو شبه موحد لا يسمح بخلخلة الكثير من السائد، بل يرسخ القائم وهو يتخذ من الثورية غطاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.