ما بين مؤيد ومعارض لسياسات القنوات الفضائية في تغطية"ثورة يناير"المصرية، وتغير خطاب بعضها وتحول مواقفه، يقف الجمهور بعين ناقدة مع بزوغ عدد من القنوات الجديدة التي تعتمد في هويتها على الثورة، وتختلف التوقعات من حولها، بين النجاح والاستمرارية أو الاختفاء. أما أهل المهنة فلهم نظرتهم الخاصة التي لا تبتعد عن نظرة المشاهد. مدير قناة"أون تي في"البرت شفيق يصف المشهد التلفزيوني خلال الثورة بأنه تأرجح بين ثلاثة مواقف: قنوات مؤيدة للنظام مثل التلفزيون المصري وبعض الفضائيات الخاصة التي اتخذته مرجعاً لها ومصدراً للبث، وأخرى تمسك العصا من المنتصف، وثالثة تؤيد الثورة وتمثل ملاذاً للشعب وتبث تفاصيل ما يحدث في ميدان التحرير وبمنتهى الصدقية". وعن فترة ما بعد الثورة، يقول شفيق:"ذهب التلفزيون المصري من النقيض إلى النقيض، إذ تحول 180 درجة من مؤيد للنظام الى معارض بشدة، ما أفقده الصدقية، فالتحول كان يجب أن يتم في شكل مبرر وتدريجي ومهني. ولكن ما حدث كان مزايدة على الثورة، وأرى أنه يجب ألا تغيب المهنية من الفضائيات والإعلام المصري، خصوصا أن التحول ذاته حدث في الصحف القومية لتصبح الثورة وكأنها النظام". ويرى ان"المواكب للحدث من قنوات إن لم تكن له رؤية خاصة ستكون فرصة استمراريته ضعيفة، لأن القنوات الإخبارية قد يرتبط نجاحها وبروزها مع أحداث معينة، ولكن أن يرتبط نجاح قناة عادية بحدث فهذا صعب". وعن ذوق المشاهدين بعد الثورة يقول شفيق:"الناس تعيش حالة من الارتباك بسبب الوضع الحالي، ولا بد أن نفكر أكثر في كيفية نقل الرسالة ومصدرها. وأعترف أن هناك وعياً شديداً ظهر عند المواطن المصري، خصوصاً في ظل الرسائل التي أصبحت متعددة ومختلفة". عميد كلية الإعلام في جامعة 6 أكتوبر شعبان شمس يرى أن شبكات الإعلام الاجتماعية، مثل"فايسبوك"و"تويتر"، دخلت في تفعيل الحراك السياسي ونشوء حوار بين الشباب، ونجحت نجاحاً كبيراً لعدم وجود رقابة أو حارس بوابة وليس لها قائد أو رئيس تحرير. فكل شخص هو رئيس تحرير نفسه، وهناك سقف عال من الحرية، ما سمح بتبادل الأفكار بين الناس، وعزز فكرة المواطن الدولي، خصوصاً ان الشباب يتواصلون مع أشخاص من الأوطان ويحتكون بثقافات دولية، ما ساعد في حصول التغيير، بما ان الديموقراطية عدوى". ويشير شمس الى ان"الدور الأساسي للفضائيات يحكمه انتشارها الكبير، وهي في غالبيتها غطت الحدث ولم تصنعه باستثناء فضائيات إخبارية ركزت على رموز المعارضة وفتحت لها مجالاً للظهور في وقت حجبتها القنوات الرسمية". ويضيف:"عموماً نجد ان الفضائيات خلال الثورة كانت واحدة من ثلاثة، إما فضائيات عربية خاصة مثل"الجزيرة"و"العربية"، وهي تتمتع بسقف عالٍ من الحرية، ومنها من اتخذ موقفاً متشدداً بقصد أو من دون قصد، لكنه أظهر الرأي والرأي الآخر في مصر. النوع الثاني هو الفضائيات المصرية الخاصة والتي انتقلت إليها عدوى الحرية حتى لا تخرج خارج التاريخ، ومنها"المحور"و"دريم"و"الحياة"، وهؤلاء تسابقوا على معالجة السلبيات في المجتمع المصري وأكثروا منها. أما النوع الثالث فهو الفضائيات المصرية الحكومية التي هي خارج اللعبة بالأساس، ولم تتنبأ بشيء وأثناء التظاهرات لم تع الدور المطلوب منها. لكنها بعد انتصار الثورة انقلبت بعد سنوات الجمود حتى بات المشاهد لا يشعر أن هذه هي قنواتنا الحكومية". وعن الفضائيات الجديدة التي انطلقت لمواكبة الحدث يقول شمس:"أجد أن مهمة هذه الفضائيات صعبة جداً، لأنها ربما كانت لتتميز لو كانت الحال كالسابق من حظر مواضيع معينة. أما الآن فالجميع يتمتع بسقف الحرية ذاته، ولم يعد هناك حظر، وأصبح من كانوا في السجون يطلون على الفضائيات ويتحدثون ولم يعد هناك أحد يتميز على الآخر. فإذا كانت لهذه الفضائيات زخمها ستستمر أما لو أفلست فكرياً فسيعزف عنها المشاهد". ويؤكد شمس أن الناس بدأت تتضايق من الأجواء المكررة من الثورة والاعتصامات وتريد أن تتجه نحو التنمية والبناء والزراعة خلال المرحلة المقبلة. واعتبر ان هذا ما يجب أن تعيه القنوات الفضائية. الإعلامي محمد ترك يرى أنه رغم تباين أداء الفضائيات واختلافها إلا أنها ساعدت الثورة ودعمت الحركات التحررية والتظاهرات في العالم العربي من خلال محاولة نقل الأحداث لتقويمها بشكل صحيح وبصورتها الواضحة. ويقول:"بدا هذا جلياً من موقف عدد من الفضائيات الإقليمية والعالمية التي ظهر منها نوع من التعاطف بوجه عام مع الثورة المصرية. أما الفضائيات المحلية فكانت أكثر تحفظاً نظراً لخصوصيتها وعلاقتها بالسياسة داخل البلد وغيرها من الضوابط. لذا لمحنا التحول في وتيرتها مع تطور الأحداث إلى أن انتصرت الثورة وأصبحت الفضائيات المصرية المتحفظة سابقاً تنافس على فكرة التحرر الفكري مثل الفضائيات الأخرى. ولأن الفضائيات الإقليمية والعالمية دعمت الثورة من البداية وأظهرت الخبايا، ولها رصيد كبير من الثقة لدى المشاهد، في حين جنحت الفضائيات المحلية لتصبح ثورية أكثر من الثوار أنفسهم". ويرى ترك أن الفضائيات التي انطلقت لمواكبة الأحداث هي نوع من الاستثمار الإعلامي ولن تضيف جديداً إذا استمرت على هذا النهج،"فعلى رغم سعادة الناس بالثورة يقف العائق الاقتصادي حائلاً بينهم وبين القنوات التي تتبنى اللهجة الثورية لا الإصلاحية". ويضيف ترك:"لا بد أن تتفاعل هذه الفضائيات مع الناس وتعمل على التغيير والبناء وتسير مع نهج الشارع في الوصول إلى الأفضل بالعمل، والتعامل مع الرؤى الوطنية المستقبلية بواقعية تلبي احتياجات الشارع".