السهر ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات، خصوصاً في أوساط المراهقين والشباب الذين يمتد سهر غالبيتهم حتى أوقات متأخرة من الليل. إن أسباب السهر كثيرة، ولكن الطريف في الموضوع أن بعضهم لا يتردد في إلقاء اللوم على مصباح أديسون مخترع المصباح الكهربائي الذي قضى على الظلام وحوّل الليل إلى نهار طيّر النوم من العيون. لا شك في أن للسهر تأثيرات اجتماعية سلبية كبيرة، لكن أمرها متروك لأصحاب الشأن. وفي المقابل هناك أضرار صحية متعددة قد تنتج عن السهر من أهمها الاضطرابات الهرمونية. فقد دراسات العلمية بأن السهر، خصوصاً المزمن منه، يسبب تغيرات في مستوى الهرمونات في الجسم من شأنها أن تخلف آثاراً سلبية. فالسهر يمكن أن يؤثر في مستويات بعض الهرمونات المرتبطة بالشهية، التي تشجع على زيادة الوزن والبدانة، وفي هذا الإطار سجلت نتائج دراسة في جامعة ستانفورد الأميركية شملت ألف شخص، زيادة في مستوى هرمون الجوع الغريلين بنسبة تقارب 15 في المئة، وتدني مستوى هرمون الشبع الليبتين بنسبة مشابهة لدى السهارى الذين ناموا خمس ساعات أو أقل مقارنة بغيرهم الذين ناموا ثماني ساعات ليلاً. أيضاً كشفت النتائج أن أكثر الناس سهراً هم الأشد عرضة لزيادة الوزن. وكلما طال السهر حُرم الجسم من إفراز بعض الهرمونات التي يتم طرحها خلال فترة النوم حصراً، فهو يؤدي مثلاً إلى تراجع في طرح هرمون النمو، الذي لا يعتبر ضرورياً للأطفال فقط، بل وللكبار أيضاً. وهذا الهرمون مسؤول عن إكساب الجسم المزيد من القوة العضلية والذهنية عبر تشجيعه على تجديد الأنسجة والعضلات والعظام وبنائها. ويؤدي نقص هرمون النمو إلى عوارض متنوعة هي: - ضعف القوة العضلية وصعوبة تحمل الجهد. - تراكم الشحوم في الجسم، خصوصاً في منطقة البطن وما يرافقها من زيادة في خطر التعرض للأمراض القلبية الوعائية. - نقص الكثافة العظمية الذي يؤدي إلى مرض الهشاشة. - احتباس السوائل. - التعب والإرهاق. - اضطرابات نفسية مثل القلق والكآبة. كما يؤدي السهر إلى تقهقر في طرح هرمون الميلاتونين، الذي يقوم بوظائف عدة من أبرزها تنظيم إيقاع الساعة البيولوجية وإكساب الجسم الحيوية والنشاط، ومنحه المزيد من المناعة لمواجهة الأمراض حتى الخبيثة منها. لقد ثبت علمياً أن المدمنين على السهر يعانون من الكسل والهزال وضعف البنية وقلة الحيوية. ويعمل الميلاتونين كهرمون مضاد للشيخوخة، وذلك من طريق إبطاله أفعال الأكسدة الضارة للشوارد الكيماوية الحرة المتهمة بأنها وراء الكثير من الأمراض المزمنة المرتبطة بالتقدم في السن. وما يميز هرمون الميلاتونين عن بقية مضادات الأكسدة أنه قادر على الوصول إلى كل خلية من خلايا الجسم. وكشفت أبحاث أن قلة الميلاتونين تصاحب تقدم مرض السرطان. ويلعب الميلاتونين دوراً في تحقيق التناغم بين الهرمونات الأخرى للجسم خصوصاً تلك المتعلقة بالتناسل. ومن مساوئ السهر أنه يسبب فائضاً في مستوى هرمون الأنسولين في الدم نتيجة ضعف استجابة الخلايا له، الأمر الذي قد يترتب عنه مع مرور الوقت، بعض المضاعفات مثل إجهاد غدة البانكرياس، والبدانة، وارتفاع مستوى السكر في الدم، وبالتالي الإصابة بالداء السكري. وقد يظهر بعض العوارض التالية غير النوعية عن مقاومة الأنسولين ومنها: - الإرهاق الجسدي. - الإرهاق العقلي. - صعوبة التركيز. - تطبل البطن بسبب تراكم الغازات في الأمعاء. - زيادة في الوزن. - ارتفاع ضغط الدم. - الخمود النفسي. ومن مصائب السهر أنه يقود الى استمرار مستوى هرمون الكورتيزون في الدم مرتفعاً، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الأمراض التي لها علاقة بالشدة النفسية مثل الكآبة والسكتات القلبية والدماغية. ومن باب العلم فإن هرمون الكورتيزون يفرز من قبل الغدة الكظرية الواقعة فوق الكلية بمعدل 5 إلى 7.5 ملغ في اليوم، وهذه الكمية ضرورية من أجل القيام بالكثير من العمليات الحيوية التي تجرى في الجسم على مدار الساعة، مثل تنظيم مستوى السكر في الدم، وضبط ضغط الدم. وفي الختام من الضروري تسجيل الملاحظات المهمة الآتية: إن هرمون الغريلين اكتشف للمرة الأولى في عام 1999، ويتم إفرازه من قبل الخلايا التي تبطن أعلى المعدة بعد أن تفرغ هذه الأخيرة محتواها، وهو ينشط الشهية على الطعام. وترتفع نسبة هذا الهرمون قبل تناول الطعام وتهبط بعده. وتقل نسبة الهرمون لدى الأشخاص الذين خضعوا لقطع المعدة الجزئي أو الذين أجريت لهم عملية تحزيم المعدة، الأمر الذي يسبب ضعف الشهية على الأكل حتى قبل تناوله. أما هرمون الليبتين، فقد اكتشف قبل هرمون الغريلين بأربع سنوات، وتفرزه الخلايا الدهنية، وهو يعمل على خلايا معينة في المخ تحرّض على الشبع والامتلاء، أي أنه يحدد لنا متى يجب التوقف عن الأكل. لقد وجدت دراسة أميركية حديثة رابطاً ما بين مستوى هرمون الليبتين والإصابة بمرض الزهايمير، إذ تنخفض معدلات الإصابة بهذا المرض لدى الأشخاص الذين يملكون مستويات عالية من الهرمون المذكور. لقد أكدت دراسة ألمانية أشرف عليها البروفسور جورجين زولي من جامعة ريجينسيبرغ، أن السهر المزمن لا يسبب زيادة الوزن والسمنة فحسب، بل يقود إلى الغباء لأنه يضعف الذاكرة، وإلى الإصابة بالمرض لأنه يضر بالقلب والمعدة والأمعاء. إذا كنت بديناً وتريد إنجاح برنامجك في التخلص من زيادة الوزن فعليك ألا تنسى أن تضيف إلى برنامجك بنداً مهماً وهو أن تنام باكراً وفي شكل كافٍ ليلاً، فقد أظهرت دراسة أميركية على مجموعة من الذين يخضعون لبرامج تخسيس الوزن، أن النوم المبكر يعزز فرص نجاح هذه البرامج، وبالتالي يساهم في الحد من تراكم الدهون وزيادة الوزن. يؤدي السهر إلى خلل في إفراز الهرمونات وفي تصنيع الأنزيمات وأشباه الأنزيمات التي لها علاقة بالكثير من العمليات الاستقلابية. إن السهر يحدث خللاً في الجهاز المناعي الذي يعتبر خط الدفاع الأول في الجسم ضد الأمراض التي تتربص شراً بالجسم. يسبب السهر المستمر اضطرابات هرمونية قد تنعكس سلباً على الدورة الشهرية وحدوث الحمل. كما يؤثر السهر المتكرر على المرأة الحامل والجنين الذي يسبح في بطنها.