منذ عقود ومنطقتنا حبلى بالأحداث والمتغيرات، وكلما طال الزمان كبر الحمل ونما إلى أن أتت هذه الأيام ليبدأ مخاض عسير للأمة ستلد من خلاله مستقبلاً جديداً وحياة مغايرة. ولكن ماذا عنا نحن أهل الأحواز؟ لماذا لا نزال بعيدين من السرب ونغرد خارجه؟ بل لماذا لا نزال نسياً منسياً الى درجة أننا نحن نسينا أنفسنا وهويتنا؟ أستغرب أن حرق البوعزيزي لنفسه لم يلهب مشاعرنا بل حتى انه لم يذب الجليد المتراكم على أعصابنا المدفونة في ثلاجات الموتى؟ أستغرب أن صخب ميدان التحرير وحماسة ثواره ونشوتهم بانتصاراتهم لم تحرك مشاعر الغيرة لدينا وكأننا صم عمي لا نسمع ولا نرى، بل ولا نعقل شيئاً مما يدور حولنا؟ أستغرب ألا نلقي بالاً لما يحصل في ليبيا من ثورة الدم على السيف والتصدي للظلم بما يجب أن يصد به؟ لقد كنا أولى بهذه الأحداث جميعاً، كنا أولى أن نصطلي بها قبل غيرنا، وذلك لما نلاقيه من عدو كشف عن قباحة وجهه في تعامله معنا في شتى نواحي حياتنا، هذا إن سمينا ما نكابده كل يوم حياة بل إنها والعدم سواء، إن لم يكن العدم خيراً منها. إن كان كل ما يحصل لم يحرك فينا ساكناً، فمتى نتحرك؟ ومتى تهتز جوارحنا؟ ومتى نغضب؟ قتلونا فقلنا إن قتلنا شهادة وفرحنا بذلك ولم نغضب، سجنونا وقلنا إن سجننا وحدة وتفكر وفرحنا بذلك ولم نغضب، هجّرونا عن أرضنا ونعيش في التيه منذ 86 سنة وقلنا إن في الأسفار سبع فوائد وفرحنا بذلك التسفار في بلاد الغير ولم نغضب. أي ذل نرتجي فوق هذا الذل، وأي قيح وأي صديد سيخرج من ذلك الجرح. إنها شمس جديدة تأتي بصبح جديد، فإن لم يكن لنا مكان تحتها سنظل قابعين تحت ظلال الخوف والنسيان، وإن هنّا الآن سيسهل الهوان علينا مرات ومرات، وإن ركعنا اليوم سنسجد غداً ولآلاف السنين. يجب علينا ألا ندفن الرؤوس في الرمال حتى تمر العاصفة، بل يجب أن نقف أمامها ونتحداها بطول النفس وقوة الصبر، أما الآن فقد آن لنا أن ننفض عن كواهلنا صمت عقود ونسعى لاستعادة أرض أجدادنا وأطفالنا وعندها لا أجمل من أن يفقد المرء حريته للدفاع عن حرية الآخرين، بل ما أعذب طعم الموت وما أحلاه عندما تكون فيه حياة أمة وانتصار لحق مهضوم، إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى، بل إن الخسارة الأكبر هي ما يموت فينا ونحن أحياء ألا وهو حب الوطن، ولكن هل يكتفي الوطن بأن نمارس نرجسيتنا عليه بمزيد من الحب؟ أم أنه يطلب منا أن نترجم تلك المحبة الى دفاع عنه وذود عن كرامته؟ إنه في كل يوم ومع إشراقة كل صباح ينادي ويصرخ بأعلى صوته عسى أن يجد هذا كله أذناً صاغية لمعتصم في هذه الأمة فلا تقتلوا المعتصم الكامن في نفس كل واحد فيكم، فأنتم قادرون وتستحقون حياة أفضل إذا ما كان لكم الإقدام ركابا: "وما نيل المطالب بالتمني/ ولكن تؤخذ الدنيا غلابَا وما استعصى على قومٍ منالٌ/ إذا الإقدامُ كان لهم ركابا". فاضل الأحوازي - بريد إلكتروني