يعيد الشباب العربي تجربة الأميركيين الأفارقة في غناء الراب والهيب هوب اللذين انتشرا في سبعينات القرن الماضي كحركة ثقافية للتعبير عما كانت تلك الفئة تتعرض له من عنصرية واضطهاد. ويبدو أن الضغوط التي يعيشها الشباب في السنوات الأخيرة كانت سبباً لتسلل هذا النوع من الفنون الى أزقة العاصمة الاردنيةعمان وشوارعها. محبو أغاني الراب الغربية هم أنفسهم من تجرأ على خوض التجربة مع اختلاف اللغة، فظهرت فرق الراب العربية، ومنها ما وصل الى خشبات المسارح الدولية، فيما اختار البعض منها المشاركة في برامج المسابقات الغنائية لتقديم الراب المُعرّب. وفي عمّان أصبح لافتاً ظهور"الرابرز"مغني الراب أمام العامة أو انتشار انتاجهم عبر المواقع الإلكترونية وموقع"فايسبوك"و"يوتيوب". إلا أن عروضهم لم تصل الى خشبات المسارح بعد لكون المجتمع الأوسع لا يزال غير متقبل لها. لذا تتجه الغالبية منهم الى الشوارع المزدحمة بالمارة كي تُشهر نفسها. يقول عضو فرقة"كلبشات"محمد أبو سيدو 22 سنة:" فكرة الراب لا تزال غير مقبولة في الاردن، والغالبية تربط بين مؤدي الراب وجماعة عبدة الشياطين، والإنطباع السائد هو أن الرابرز شلة من المتسكعين غير الملتزمين بدينهم وعاداتهم". ويضيف أبو سيدو الذي انخرط في تجربة غناء الراب منذ سنة:"غالبية فرق الراب في عمان تقلد الغرب تقليداً أعمى، ويقتصر أداء أعضائها على ترديد عدد محدود من الكلمات الأجنبية ترافقها رقصات سريعة وهو ما يعزز لدى البعض الإنطباع السلبي تجاه كل الفرق". وعن"كلبشات"يقول:"عندما نغني الراب لا نسرق بل نأخذ ثقافة بأكملها ونُعربها ونضيف اليها ما يتناسب مع عاداتنا وثقافتنا وحاجات مجتمعنا. نحن لا نغني الشتائم ولا أي كلام بذيء بل نعبّر بكلماتنا عن آرائنا ونعالج قضايا وهموماً شبابية نعاني منها". وتُقدم فرق الراب والهيب هوب عروضها في شوارع اعتادت العائلات والشباب على ارتيادها كشارعي الرينبو والثقافة في عمان. ويقول كرست 24 عاماً، وهو طالب جامعي أنه من محبي أغاني الراب الغربية واختار غناء الراب العربي لتفريغ طاقاته والتعبير عن آرائِه في قضايا اجتماعية. ويرى كرست أن المجتمع الأردني لا يزال غير متقبل للراب ويعتبره فناً"غريباً". ولا يسعى كرست للوصول الى النجومية، فهو يعتبر الغناء هواية ويعتمد على الشبكة الإلكترونية للترويج لأُغنياته التي يسجلها بالإستعانة بأجهزة تسجيل متوافرة لدى أحد أصدقائه. وكما التصقت السمعة السيئة ببعض أغاني الراب الغربية، التصقت أيضاً بالراب العربي. ويقول كرست:"ما يُحمس المتجمهرين للاستماع إلى فرق الراب كلمات الأغاني التي تعبّر عن الغضب وتتضمن السب والشتم باللهجة العامية". ويلجأ"الرابرز"الى إستخدام الموسيقى الجاهزة أو"البيت بوكس"وهي ايقاعات صوتية يصدرها مرافقو الراب من حناجرهم، ومن عناصر الجذب التي يتميز بها لباسهم الفضفاض وتسريحات الشعر، فضلاً عن ارتدائهم القلادات والسلاسل الغريبة. ويعتقد محمد باكير 24 عاماً، ويعمل مهندساً في إحدى الشركات أن فرق الراب لا تحظى بفرصة الانتشار بسبب عدم تقبل المجتمع لها. ولا يخفي حقيقة أن عدداً من"الرابرز"لا يلقون دعماً من ذويهم فيمارسون هوايتهم ويتدربون عليها في جلسات تجمعهم خارج المنزل. ويعتبر باكير نفسه من الفضوليين، فله مرورُ عابر على ما تنتجه فرق الراب العربية وتروّج له عبر المواقع الإلكترونية، الا أنه يفضل الطرب والموسيقى العربية. وترى الناشطة في الوسط الموسيقي رُسل الناصر أن"غناء الراب لا يمثل الثقافة العربية ، لذا فإن المجتمع الأردني لا يتقبله، وكذلك شركات الإنتاج المحدودة في انتاجها في الاردن إن وجدت". وتعتبر الناصر التي تعمل في مجال الفنون والموسيقى منذ 18 عاماً أن" الراب والهيب هوب موضة غربية تأثر بها الشباب وقلدوها في محاولة للتعبير عن أنفسهم". وتضيف:"اللافت أن الشباب اتجهوا نحو الراب باعتباره إسلوباً بسيطاً وسهلاً للتعبير عما يريدون قوله باللغة المحكية، ولم يلتفتوا الى أشكال مختلفة في الغناء العربي البسيطة في الأداء متل الطقطوقة". وترى أن ظهور فرق الراب والهيب هوب أخيراً يعود الى تشبع الاجيال الجديدة بمظاهر الحضارة الغربية بفعل الدراسة في مدارس اجنبية فضلاً عن انفتاح الشباب على الانترنت وتأثرهم بالثقافات الأخرى. وذهبت الناصر الى ان الثقافة الغنائية العربية مغيّبة في الأردن بسبب عدم التفات الجهات المعنية الى أهمية إدراجها كمنهج موسيقي في المدارس وعدم الاهتمام بالعروض الفنية المجانية للعامة. وتعتقد ان تراجع الفن والموسيقى في الاردن هو انعكاس لتراجع الحال الثقافية عموماً، ولكنها لا تخفي حقيقة وجود المواهب التي في مقدورها ان تفرز حالات موسيقية حقيقية فيما لو توافرت بيئة مناسبة وشركات خاصة داعمة لها. وترى الناصر ان من لديه رسالة وفكر واضح في الغناء بمقدوره الانتشار في الساحة الغنائية وان كانت ميوله تتجه للراب وغيره من الفنون الجديدة.