يخطئ من يقول إنّ ثورة الشارع بدأت في سيدي بوزيد وانتقلت إلى ميدان التحرير، وإنّ شباب الفيسبوك هم من أشعلها. لكنّ الحقيقة إنّ أوّل من أعلن احتجاجه علانيّة أمام العالم في الصّيف الماضي هم ديكة فرنسا بقيادة إيفرا وأنيلكا عندما تمرّدوا على مدرّبهم دومينيك... وشاهد الناس اللاعبين، وهم يرفضون التدريب، ليقرأ المدرب التعيس بياناً حرّره اللاعبون، كشفوا فيه عن موقفهم من التناقضات التي يعيشها البيت الكروي الفرنسي. فكان هذا الاحتجاج بمثابة الفضيحة التي هزّت أركان بطل العالم في 1998. وتذكرون يومها أنّ دومينيك وحاشيته حمّلوا زيدان المسؤوليّة، واعتبروه صاحب اليد الخفيّة في كلّ ما حدث للدّيكة منذ كأس أوروبا التي اعتقد الناس أنها ستنهي علاقة دومينيك بالمنتخب الأزرق، لكنّ الرجل تمسّك بموقعه، ولم يسلّم المقود لنائبه، وأكثر من هذا فحتى بعد العودة إلى باريس بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، لم يترك المسؤوليّة وطالبَ بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به. وجاء بلان الأبيض بالعربيّة، ليبدأ صفحة بيضاء، وراح الجميع يمتدح ما ظلّ زيدان يطالب به، أي لا حلّ للديكة إن أرادت الصّياح من جديد إلاّ بمدرّب من طراز بلان الذي أثبت نجاحه لاعباً ومدرّباً وصاحب شخصية قوية. فالاحتجاج الذي حدث في جنوب أفريقيا هو الذي أعادَ بن زيمة ونصري إلى المنتخب بعد أن أقصاهما دومينيك من مونديال 2010 وحرَمَ ديكته من قيمة مضافة، وليس أدلّ على ذلك من أنهما يصنعان بهجة الريال والأرسنال. وما الفوز الكبير على البرازيل الذي أعاد فرنسا إلى واجهة الكرة العالمية من جديد إلا تأكيد واضح على أنّ زيدان يملك عيناً ثاقبة، ورؤية خبير كرويّ يدرك ما يقول. فامتداح زيزو كريم بن زيمة عقب مواجهة السحرة، ليس لفائدة فرنسا فحسب، ولكن للريال أيضاً، باعتبار زيدان مستشاراً للنادي الملكي، ورفعه معنويات كريم بعد مجيء أديبايور وتهديده لمركز الديك الفرانكو - جزائري. فزيدان، يملك سلطة معنويّة على المنتخب الفرنسي، كونُه أحد صانعي مجده، ومانحي فرنسا أوّل كأس للعالم، والدّاعين إلى نسيان انتكاسة المونديال، وضرورة إعادة بناء المنتخب بعيداً عن تبعات دومينيك. وكان من نتائج ذلك أن الثلاثي الجزائري، زيدان وبن زيمة ونصري، هو الذي علّم الدّيكة كيف يرقصون السّامبا في ليل بارد، بعد أن اختلط عليهم المشي في السنوات الأخيرة. إنّ أقصى ما يتمنّاه الفرنسيون هو فوزهم على البرازيل، ولا يهمّ إن خسروا أمام ليشتنشتاين أو جزر فارو. فمنذ نهائي مونديال 1998 لم يعد يشعر الفرنسيون بتغيّر خريطة الكرة في العالم، وأوقفوا عقارب السّاعة عند البرازيل، في حين أنّ هناك إسبانيا والأرجنتين وهولندا وألمانيا وغانا واليابان. وما شاهدناه في المباراة الأخيرة من احتفاء فرنسيّ بالبرازيل، من خلال الحضور الكبير، ورفع الأعلام الفرنسيّة تأكيد للانتماء الجديد بعد فضائح المونديال، وتشجيع للمدرّب بلان على ما يقوم به في فترة قياسية. ففي الامتحانات البيضاء يُمكننا أن نحقّق مجموع علامات عالية جدّاً، لكن الأمر يختلف عندما يتعلّق بالامتحانات السوداء... الجادة. ولا يصحّ إلا الصحيح. وليس في كل يوم نرقص السامبا. [email protected]