تشهد الساحة السياسية المصرية استقطاباً حاداً في ما يتعلق بالموقف من الإخوان المسلمين، وقد أثارت تصريحات بعض قيادات الإخوان ردود فعل شعبية غاضبة، كما استغل خصومهم هذا الموقف لتخويف الناس منهم، فمن يعيد إلى المسرح السياسي المصري فزاعة الإخوان مرة أخرى هل هم الإخوان أنفسهم هذه المرة أم خصومهم؟ كان الرئيس السابق حسني مبارك قد وظف طوال فترة حكمه تلك الفزّاعة على المستوييْن الداخلي والخارجي، باعتبارها البديل الوحيد عن نظامه وعن الدولة المدنية المصرية معاً، ويثار الآن جدل كبير حول الإخوان بخاصة بعد حصولهم على 40 في المئة من أصوات الناخبين في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، فالبعض يتخوف منهم، ومن إمكان وصولهم للحكم أو تطبيقهم للشريعة الإسلامية وفق منظور أحادي، والبعض الآخر يتخوف على حريته في ممارسته عقيدته الدينية كالمسيحيين، كما أن البعض يقبل بهم باعتبارهم من نسيج المجتمع لا يمكن إغفاله. بعد تنحي مبارك أعلن الإخوان عبر مكتبهم السياسي وعبر مرشدهم أنهم لن يترشحوا إلى منصب رئيس الجمهورية، وأنهم لن يشاركوا في الحكومة، وأن عملهم سيقتصر على البرلمان في إطار انتخابات حرة ونزيهة، هذه الرسائل الإيجابية والتطمينية سواء للجيش أو القوى الأخرى في مصر أو الغرب استطاع البعض أن يلتقطها مبكراً. وفي هذا السياق لا يمكن إغفال دور العامل الخارجي في التركيز على هذه الجماعة من زاوية المخاوف من أن تتحوّل مصر إلى دولة دينية، الأمر الذي يعني قلب الموازين الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وينطوي على نوع من التهديد للمصالح الغربية إجمالاً، وخصوصاً في ضوء الطبيعة الدينية للدولة الإيرانية، واحتمالات تصعيد التهديدات ضدّ إسرائيل. وعلى الإخوان المسلمين الانتباه إلى حساسية موقفهم وأدائهم في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ المصري، والاستمرار في الوعي والنضج السياسيين اللذين بدأوا بهما في الثورة المصرية، والقبول بأنهم جزء من كل. ومن المطلوب أن يتوافق الإخوان المسلمون مع التغير الراهن في منطقتنا العربية، والدفع نحو تكوين الدولة المصرية بشروط تستجيب لتيارات الحداثة والتقدم، وهنا يبدو موقفهم على محكّ الشرف الأخلاقي والسياسي في عدة مفاصل، منها ضرورة عدم الاستفادة من المرجعية الدينية في حشد الأنصار السياسيين، والعمل على توجيه حزبهم السياسي إلى الاعتماد على مبدأ المواطنة المتساوية، وهو ما يعنى ضرورة إعادة النظر في مسألتي حق المرأة والأقباط في الترشح لمناصب الولاية الكبرى رئاسة الجمهورية، وهي خطوة تتطلب شجاعة مماثلة لتلك التي تحلَّوْا بها حينما تم إلغاء مجلس العلماء من برنامجهم باعتباره سلطة مراجعة عليا للتشريعات الصادرة عن البرلمان، وهذا الأمر يقي الإخوان شر التناقض مع الدستور الذي لا بد من أن يقرّ مبدأ المواطنة المتساوية انعكاساً لتيار عالمي ومطالب وطنية. كما يبدو أن المطلوب من الإخوان المسلمين تأكيد مبدأ التوافق في صوغ دستور مصري لدولة حديثة تستطيع أن تلحق بالتقدم العالمي عبر تفعيل فقه حرية الفكر والاعتقاد لجميع البشر لا تقييده، وذلك في مقابل السلوك الراهن الذي ينتج صيغاً انقسامية في شأن المادة الثانية من الدستور الحالي التي تقول إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع. وربما يكون من الأمور الأساسية في هذه المرحلة تخلّي الإخوان فورياً عن الأساليب التاريخية في عقد الصفقات المنفصلة مع السلطة أياً تكن هذه الصفقات وأياً تكون هذه السلطة، والسير نحو تبني أمل الشعب المصري في تحقيق الحرية والديموقراطية بديلاً عن الاستقواء على القوى السياسية الأخرى بالمرجعية الدينية للإخوان المسلمين، والحصول على الوزن السياسي بناءً على هذه المرجعية. رهان على الشراكة والواقع أن الإخوان استناداً إلى تصريحاتهم ومواقفهم الحالية يؤكدون أن رهانهم ليس على حكم مصر، ولكن الرهان الأكبر هو أن يكونوا شركاء مع غيرهم من القوى السياسية المصرية في أن يكونوا رقباء شعبيين على السلطة التنفيذية وممارستها، بحيث لا تنحرف عن مساراتها الديموقراطية أو تنحرف تلك السلطة إلى الفساد الاقتصادي على حساب مصالح الشعب، وهذه الرسالة ربما استطاع الغرب أن يقرأ بعض مفرداتها بوعي عندما أدرك أن الانتخابات النزيهة في مصر لن تسمح إلا باستحواذ الإخوان على نسبة من مقاعد البرلمان لا تتجاوز 40 في المئة وهو ما يطمئن الغرب، كما أن القوى السياسية المصرية لاحظت على أرض الواقع أن الإخوان غيروا منهجهم السياسي بدلاً من المشاركة للاستحواذ على الانتخابات، إلى منهج المشاركة وليس المغالبة. فزاعة الإخوان التي رفعها النظام السابق سقطت وهم لن يسمحوا لأحد برفعها مجدداً. وإن كان الواقع يؤكد أنهم الأكثر خوفاً من الديموقراطية ورياحها وأنهم قد يكونون، وليس خصومهم، من يعيد الفزاعة مرة أخرى! فلا يزال التنظيم الإخواني سرياً بحيث لم يعلن عن عدد أعضائه أو هيكله فضلاً عن عدم الكشف عن قواعده أو أمواله وكل ما كان ممنوعاً الإعلان عنه بحجة الأمن والخوف من قمع النظام السابق. ولم يصدر عن أروقة الحركة أي مؤشرات عن بدء نقاش له علاقة بالديموقراطية داخل الجماعة بخاصة في ما يتعلق بوضع المرأة أو مستقبل القاعدة الشبابية. ولا يزال التنظيم يرفض أي نقاش حول إدماج المرأة من حيث حق الترشيح أو حتى التصويت للمناصب والمواقع التنظيمية للجماعة والحزب، على رغم أن فكرة الأمن والخوف على نساء الحركة التي كانت تبرر إرجاء هذه النقاشات قد سقطت. ولا يزال الإخوان بعيدين عن الاستماع للشباب فضلاً عن الاعتراف بدور لهم، لذلك رفضوا مؤتمر شباب الإخوان في 26 آذار مارس 2011 وقاطعوه بل وحاربوه. أما التيار الإصلاحي الذي ولد من رحم المشاركة السياسية الإخوانية في النظام فقد تم تهميشه كاملاً وزادت عليه القيود، بل تم استبعاده بحيث لم يتم دعوة أي من المحسوبين على هذا التيار إلى النقاش حول الحزب السياسي إبان تفكير الجماعة في إنشائه. فاختارت الجماعة نموذجاً بدا الأسوأ للحالة المصرية، وهو النموذج الأردني حيث تحتفظ الجماعة ببنية شمولية وتؤسس حزباً لا يعدو كونه ذراعاً سياسية غير مستقلة عنها في الهيكلة أو الرموز أو الخطاب. وفي ظل مصر ما بعد"25 يناير"كالعادة يصرح الأخوان بقبولهم العمل بالدستور والقانون وخدمة مصر ومصلحة الوطن فوق مصلحة الجماعة، وما إلى ذلك من الحكومة المدنية لا الدينية، فكيف تستقيم الأمور مع هذه الازدواجية بقبول المؤسسات المدنية واحترام الدستور والقوانين، وفى ذات الوقت تصر على استمرارها كجماعة تعمل متخفية بلا مبرر ولها ذراع سياسي هو الحزب؟. كما أنّ الجماعة ذات بناء تنظيمي تاريخي يزيد عمره على ثمانين عاماً، وتمتد دولياً عبر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ولها من التعاطف الشعبي الكثير، وهذا التعاطف مؤسَّس على نوعين من الجهد: أحدهما دعوي ديني والثاني اجتماعي تغلغل في النّسيج المصري من دون منافس مستخدماً المرجعيّة الإسلامية، وللجماعة من الخبرات السياسية في التعامل مع نظم الحكم كلها، ومع القوى السياسية ما لا يُستَهان بتأثيراته وانعكاساته على المعادلات السياسية، ومن ثم إن لم يدرك الإخوان طبيعة المرحلة الجديدة ومتغيراتها فأنهم سيعيدون هم بأنفسهم الفزاعة مرة أخرى. * كاتب مصري