هل الاحتجاجات الاخيرة هي بوادر الربيع الروسي؟ اعتقال الشرطة عشرات المتظاهرين لم يمنع الجماهير الليبيرالية من مواصلة الاحتجاج. وتعيد الحركة هذه الى الاذهان الربيع العربي الذي أشعلت فتيله التظاهرات الصغيرة. من الصعب التكهن بنتيجة الاحتجاجات الانتخابيّة، لكن الاحتمالات كلها ممكنة. ويواجه نظام بوتين امتحاناً صعباً لا يستهان به في المرحلة المقبلة. وانحسار سلطة بوتين ليس صنو غلبة نفوذ الغرب، ومستقبل روسيا سيرسم بما يتناسب مع حاجاتها، وهذا الأمر من المبادئ الديموقراطية الاساسية. وحاز حكم بوتين مشروعيته جراء مساهمته في إرساء النظام والاستقرار في روسيا إثر عقد من الفوضى المنفلتة من عقال والتقهقر الاقتصادي اللذين أعقبا سقوط الاتحاد السوفياتي. ولم يفرّط مجلس الدوما في عهد بوتين بمصالح روسيا، على نحو ما كان يحدث في عهد يلتسن. والاصوات التي خسرها حزب"روسيا الموحدة"ربحها الشيوعيون والديموقراطيون الليبراليون الذين لا يخدمون مصالح الغرب وعقيدته. ومصالح روسيا أركانها جيوسياسية وثقافية، لن تذلل الخلافات بين الغرب وروسيا ولن تخمد المشاعر العدائية بينهما، إذا تعارضت مصالحهما، سواء كان مَن يجلس في سدة الكرملين بوتين أو غيره. وإذا اندلعت الثورة في روسيا، تلقت روسيا صفعة قوية، وغامرت بتفكك الاتحاد الروسي، على ما يشتهي الغرب. لكن المجتمع الروسي لا يريد خوض غمار تجربة تفكك الأوصال مجدداً، ولا شك في أن الوحدة التي ترعاها"روسيا الموحدة"محدودة، لكنها أكثر تماسكاً من الوحدة الرخوة المتوقعة في ظلّ الديموقراطية. وحملت دروس الماضي وعِبره الروس على منح الثقة للسياسيين الأقوياء وتغليب كفتهم على كفة أندادهم الديموقراطيين. والحق أن الثقة بين روسياوالصين بعثت الدفء في العلاقات بينهما، وركن هذه الثقة هو الرغبة في استنهاض الأمتين الروسية والصينية. وترغب الصين في استقرار روسيا، بينما تستسيغ واشنطن اضطرابها. وتبدو الثورات في الشرق الأوسط بسيطة مقارنة بالتاريخ الثوري الذي خبِرَتْه تلك الدولة الشيوعية السابقة. وتواجه روسيا تحديات صعبة لتحديد وجهتها، وهي لا تشبه دول الربيع العربي، بل انها دولة فريدة وستبقى كذلك. * عن"غلوبل تايمز"الصينية، 8/12/2011،