على رغم أن الاقتصاد الجزائري يعيش أحسن حالاته منذ سنوات، إذ بلغت الاحتياطات من العملة الصعبة رقماً قياسياً يقدر بنحو 146 مليار دولار في نهاية كانون الأول ديسمبر 2009، ومكنت الجزائر من استثمار 30 مليار دولار سنوياً، أي ما يربو على 150 مليار دولار منذ 2005، بموجب الخطة الخمسية لدعم النمو، فإنه، مع ذلك، لم يساهم في تشجيع النفقات، لا سيما النفقات الاجتماعية والمساعدات للاستثمار. وهكذا، فإن هشاشة النمو الحالية تخفي وراءها"الفوضوية"المتنامية في المجتمع الجزائري المفخخ بالنظام الرأسمالي الليبرالي. فهذا النظام يبدو عاجزاً عن تحديد وجهة الحياة في المجتمع خارج إطار النزعة الاستهلاكية والتبذير والاستئثار بالموارد الطبيعية وبالعائدات الناجمة عن النشاط الاقتصادي، وعن تعميق الفوارق الاجتماعية في نهاية المطاف. فهذا النمو أصبح الأفيون الجديد للشعوب التي تتحطم معاييرها الثقافية والتضامنية لكي تغرق في الهوة السحيقة الناجمة عن النزعة الاتجارية. هذا ما عبرت عنه حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت قبل أيام على خلفية الارتفاع الفاحش والمفاجئ لأسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث بات بعضها منذ بداية العام يفوق ال150 في المئة، كمثل الزيت والسكر والطحين، وعمّت التظاهرات الكثير من المحافظاتالجزائريةوهران، تيبازا، البليدة، الجلفة ولا سيما قلب العاصمة الجزائرية، حي باب الواد، حيث قادت الصدامات بين مجموعات من الشباب الغاضبين وقوات الأمن، إلى سقوط عدد كبير من الجرحى، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان الانتفاضة الشعبية التي حصلت في 5 تشرين الأول اكتوبر 1988 والتي قتل فيها ما لا يقل عن 500 شخص. ويتعايش مع هذا المناخ وضع اجتماعي متدهور، إذ يصل معدل البطالة رسمياً إلى 30 في المئة ويمس 50 في المئة من الشباب الأصغر من 30 سنة. وفي الواقع، تبين أن النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم على الريع النفطي عاجز عن مواجهة تحديات النمو الديموغرافي للسكان العاملين +300000 شخص سنوياً في المعدل. وفضلاً عن ذلك، ووفق تقرير الأممالمتحدة الصادر في 2002، عاش 15.1 في المئة من السكان على أقل من دولارين في اليوم كمعدل وسطي طيلة المرحلة الممتدة من 1990 لغاية 2002، وكان معدل الأمية 31.1 في المئة. ووفق تقرير البنك الدولي، يظل السكن، والخدمات الصحية، وجَرّ المياه الصالحة للشرب، سيئة جداً، لا سيما للطبقات المتوسطة والفقيرة. وإذا كان من المتعارف عليه أن مرحلة الحرب الأهلية طيلة عقد التسعينات ساهمت في خلق هذه الصعوبات، فإن مسألة قدرة السلطات الجزائرية على ضمان إعادة توزيع الريع النفطي في شكل عادل تظل مطروحة على جدول أعمال الحكومة. إن العجز عن التحضير للمستقبل من خارج نموذج النمو الاقتصادي الثابت هو الذي يشكل على الأرجح الصدع الرئيسي في الخطاب الرسمي حول التنمية المستدامة. وعلى رغم أضراره الاجتماعية والبيئية فإن النمو، الذي لا يريد أي مسؤول سياسي أو اقتصادي فصله عن التنمية، يعمل وكأنه مخدر ثقيل. فعندما تكون حركة النمو قوية يستمر التوهم بأنها يمكن أن تحل المشاكل، التي تكون هي قد تسببت بها. * كاتب تونسي