«الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    جدّة الظاهري    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام في عاصمة الارجنتين . بوينس آريس أربعة مربعات وملايين لا تنسى الإستقلال
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2010

الأنوار المشعة ضمن مربعات منظمة شاسعة، تلمحها حين تحط بك الطائرة، ليست سوى بوينس آيريس عاصمة الأرجنتين وأكبر مدنها. تبلغ مساحتها 202 كلم مربع وهي مزدحمة سكانياً، اذ يبلغ عدد قاطنيها 3 ملايين نسمة ويصل الى 10 ملايين مع ضواحيها.
تنتقل من قارة الى أخرى لتلمس مدينة بعيدة. قد لا تقرر التعرف عليها وزيارتها إلا بسبب عمل أو لنزق آخر لاستكشاف ما تبقى من خصوصياتها. ولا أدري ما اذا كان كل زائر يعتريه ما اعتراني، ففي الذاكرة صور مغبشة وأرشيف غير مكتمل أرغب في معرفته وملامسته عن كثب.
في صباح الثامنة البارد، سائق التاكسي المسن يخترق بسيارته الازدحام المبكرللمدينة، عالم جادة التاسع من تموز يوليو الاعرض عالمياً حيث تتسع لحوالى 18ممراً في الاتجاهين، يتوسطها برج يسمى ب" أوبيليسكو"الذي شيد بمناسبة المئوية الرابعة لتأسيس المدينة.
الجادة يتفرع منها جادة أخرى، والأرجنتينيون كالإسبان، لا يستخدمون الكيلومترات وما شابه لإفادتك عن وجهة سيرك ومقصدك، وانما المربعات، كأن يجيبونك:"المتحف يقع بعد 3 مربعات"، وإن كان مقصدك أبعد من ذلك، يضيفون بحسب البعد"ثم تنعطف يميناً مربعين وتصل".
السائق في هذه المدينة يحلو له الحديث، ويودعك بعبارة حلوة أكثر مما هي سياحية، قد تسمعها من غيره في الكثير من الأماكن العامة:"حظاً سعيداً"انها المدينة البارحة والمدينة اليوم، لم تكن أرضاً بوراً لكنها ازدحمت بسرعة.
تستيقظ المدينة ما بعد التاسعة وتنام متأخرة، ازدحام لم يكن موجوداً قبل سنوات قليلة هكذا يأتيك الجواب، انه ازدحام المدينة أولاً بناسها وبسياح اليوم وب40 ألف تاكسي، عدا السيارات الخاصة، وحافلات النقل التي تذكرك بهدير بوسطات بيروت، مع فارق أنه تم تلوينها بألوان فرحة وفاقعة، انها الوسيلة الأكثر استخداما وتعمل ليل نهارفي نحو 180 خطا.
إنها مدينة انعجقت بسرعة، وهي جزء من هذه البلاد التي كانت موجودة قبل 1492ومغامرة كريستوفر كولومبوس. وهي أيضا تلك الحديثة التي غاب الكثير من معالمها الحقيقية ..
في المدينة نصبان لكريستوفر كولومبوس: أحدهما أكثر أهمية من الآخر، سألت أكثر من أرجنتيني عما اذا كان هذا الشعب سعيداً باكتشافات الرحالة؟ يكاد الجواب أن يكون وحيداً:"لقد كنا موجودين!!"
بالفعل، وان كانت مغامرة كولومبوس انتهت بوطء قدميه أرض سانتو دومينغو، معتقداً أنه وطأ أرض"انديا"إلا أنه افتتح برحلته تلك، الآفاق لغيره من الملاحين، لاكتشاف مجموعة دول أميركا اللا تينية، كحال الرحالة الاسباني"بالبوا"مكتشف الباسفيك، كما عرف مضيق جنوبي الأرجنتين ب"مجلان"في حين كانت أميركا الشمالية التي استعمرها الأنكليزمن نصيب الرحالة الأنكليزي"هيودسن"، لكن مما لا شك فيه أن فكرة الكولونية أوبدء استعمار هذه القارة ترسخت وانطلقت من اسم كولومبوس، الذي يسمى بالأسبانية"كريستوبال كولون"الذي كان أول من نصب العلم على الأرض التي وطأها.
تلك الدول كانت موجودة ، كذلك الأرجنتين ومسكونة بناسها، فكان على سبيل المثال هنود كيلميس في شمالها و"مابوشي"في جنوبها، في هذا المجال يروى الكثير من كبرياء الهنود، عندما قدم الاسبان محتلين البلاد، قال أحد مسؤوليهم العسكريين مربتاً كتف كبير هنود مابوشي :"جئنا لمد يد المساعدة!"وكان الرد:"ان جئتم من أجل ذلك أخفض يدك عن كتفي!!"... ربما في ما بعد خفض الأسبان يدهم، لكنهم بالتأكيد قدموا في العام 1536محتلين المدينة تحت شعار"سيدتنا ذات الهواء الطيب"، وهو الاسم الذي تحمل معناه المدينة بالأسبانية، وإن كان الأرجنتينيون يصرون على أن اسمها ينطلق من بوينس آيريس حامية بحاري المدينة.
مهما كان من أمر احتلال الإسبان، لكن مما لا خلاف عليه أنهم صنعوا مدينة سهلة للتنقل، فعندما فكروا ببناء المدينة وتصميمها، قسموها كما حال بلادهم الى مربعات، وكل الشوارع والجادات متوازية و تحمل الأرقام نفسها... وبالتالي اختصرت الى أربعة أحياء أو"باريو"، مما جعل المدينة ربما الأسهل للعيش بالطبع، اضافة لتوافر الخدمات الأخرى والتعرف اليها والتجوال فيها ببساطة، لكن عليك الأخذ بنصيحتين أرجنتينيين: الحذر من النشالين، كما حال معظم مدن العالم، وعدم الاطمئنان للأشارات وتفحص الطريق يمنة ويسرة ..
أما أحياء المدينة فمتوزعة ما بين"سان تيلمو"الحي الأكثر قدماً، وساحته المشهورة"دو ريغو"التي تشهد موسيقى ورقص التانغو في الهواء الطلق، ومقهاها القديم ولعل ابرز تقاليد هذا الحي، اقامة معرض تجارة العاديات كل يوم أحد.
حي سان تيلمو هو أحد الأحياء الأربعة الرئيسة التي يتخذ كل منها جنسية، إما بسبب المهاجرين الذين سكنوها وإما بسبب طرازها المعماري، وإذا لقب الحي الآنف بالحي الاسباني فإن حي لابوكا هو الحي الايطالي المتميز بأبنيته البسيطة ومحلاته ومطاعمه المزينة برسوم وألوان فرحة وعلى أحد جدران ساحته، حفرت قصيدة التانغو المشهورة" ألدرب"التي كتبها بنيالوسا ولحنها اللحن الجميل"خواندي ديوس فيليبرتو"لدرب صغير حميمي يضم أيضا متحفا للفنون، وفي حين يغلب الطابع الشعبي على هذين الحيين، فإن طابع الأرستقراطية هو الغالب على حي"ريكولايتا"الفرنسي وحي"باليرمو الأنكليزي...واذا كان الاخير هو شريان المدينة الأخضرالوحيد فانه يشكل مع ريكوليتا مركزاً للسفارات الفخمة، علماً ان ريكوليتا تميزه المقبرة التاريخية، التي تبلغ مساحتها 6هكتارات، كانت سابقاً بستاناً للرهبان يجمعون، ومن هنا يأتي اسم الحي، ما يزرعونه وتحول عام1822 الى مقبرة بل الى متحف مزدان بأجمل المنحوتات، كما يضم رفات رجال الاستقلال ورؤساء جمهورية وأدباء وفنانين ورفاة ماريا آيفا دوآرتي"أفيتا بيرون".
انها أحياء أربعة بقي من قديم مبانيها ما يعود للعام 1740 و جادات ضخمة وساحات، منها ساحة 25مايو، وهي الساحة التي تضم "كازا روزادا"، البيت الأبيض الأميركي، وهو مبنى الحكومة الذي شهد المراحل السياسية الأبرز في تاريخ الأرجنتين.
انها ساحة المحاولات الديموقراطية والانقلابات العسكرية التي خلفت أمهات تتظاهرن لمعرفة مصير أبنائهن وأحفادهن... إنها ساحة التظاهرات على خلافها، وهي الساحة التي تضم في كاتدرائيتها رفاة خوسيه فرانشيسكو دي سان مارتين محررالبلاد، وواحد ممن عملوا الى جانب سيمون بوليفار على تحريرجنوب اميركا وهي أيضا البيت السياسي الذي لم يلحقه تغيير، فالزمن البيروني لم يتغير وها هي عائلة كريشنير والزوجة كريستينا، الرئيسة الحالية للبلاد، تستمر تحت راية الحزب بيمينه ويساره!
انها المدينة التي تحتفل اليوم بذكرى مرور مئتي سنة على الاستقلال، بينما يتناول ثلاثة صحافيين في كتاب صدر أخيراً تحت عنوان"الوجه الآخر للمئويتين"،200 فعل وحادثة ساهمت في عدم بناء وطن منذ العام 1806ولغاية 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.