القبض على باكستانيين في جدة لترويجهما (4) كجم (شبو)    أقصى الضغوط... ما قبل «التطبيع الشامل»    محامي مارين لوبان: سنستأنف حكم إدانتها بالاختلاس    انخفاض معدل التضخم في ألمانيا إلى 2.2% خلال الشهر الحالي    "البيئة" ترصد هطول أمطار في (8) مناطق بالمملكة    أكثر من 122 مليون قاصد للحرمين الشريفين في شهر رمضان    مدرب فولهام للاعبيه: انتهى وقت البكاء.. وأنتظر الرد أمام أرسنال    الحقيل: توجيهات ولي العهد في القطاع العقاري تعزز توازن السوق وتحفز الاقتصاد    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    نائب أمير منطقة مكة يستقبل الذين قدموا التهنئة بمناسبة عيد الفطر المبارك.    جمعية مراكز الاحياء ممثلة في مركز حي قروى يقدم هدايا العيد    "أمانة الطائف" تنهي استعداداتها لعيد الفطر المبارك    جمع مهيب في صلاة عيد الفطر في مسجد قباء بالمدينة المنورة    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة تُنهي استعداداتها .    مختص ل «الرياض»: 7% يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي خلال الأعياد    أنشيلوتي: مبابي مثل رونالدو    أمطار رعدية مصحوبة بزخات من البرد على معظم مناطق المملكة    ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟    أسعار النفط تتراجع وتتجه نحو أول خسارة فصلية منذ فصلين    وسائل إعلام: ترامب يعتزم زيارة السعودية في منتصف مايو    ترامب: لا أمزح بشأن سعيي لفترة رئاسية ثالثة    أمير منطقة تبوك يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    فعاليات عيد الطائف تجذب 200 ألف زائر    المعالم الأثرية بالأحساء تجذب الأهالي والمقيمين في عيد الفطر    بطابع الموروث والتقاليد.. أهالي حائل يحتفون بالعيد    فعالية تراثية في نجران احتفاء بعيد الفطر    إطلالة على اليوم العالمي للمسرح    المملكة ترحب بتشكيل الحكومة السورية    قائد الجيش السوداني: لا سلام مع «الدعم السريع» إلا بإلقاء السلاح    فيصل بن مشعل يرعى حفل أهالي القصيم بعيد الفطر المبارك    خالد بن سلمان يستقبل قادة وزارة الدفاع وكبار مسؤوليها    ولي العهد يؤدي صلاة العيد في المسجد الحرام.. ويبحث المستجدات مع سلام    خادم الحرمين: أدام الله على بلادنا أمنها واستقرارها وازدهارها    إنجاز إيماني فريد    رابطة الأندية المصرية تلغي عقوبة خصم 3 نقاط من الأهلي بعد انسحابه أمام الزمالك    الأمانة والدواء البديل.. رأي أم مخالفة؟!    جولة مسرحية لتعزيز الحراك الثقافي بالمملكة    «الإذاعة والتلفزيون» تميزت في محتوى رمضان    نتج عنه وفاتها.. الأمن العام يباشر حادثة اعتداء مقيم على زوجته في مكة    بنهاية شهر رمضان.. تبرعات إحسان تتجاوز 1.8 مليار ريال    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    جوارديولا غاضب بسبب موسم مانشستر سيتي    ولي العهد ورئيس الوزراء اللبناني يبحثان العلاقات الثنائية    خادم الحرمين: أهنئكم بعيد الفطر بعد صيام شهر رمضان وقيامه    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    ارتفاع حصيلة قتلى زلزال ميانمار إلى أكثر من 1000    ثنائية مبابي تهدي ريال مدريد الفوز على ليجانيس    كاميرات المراقبة تفضح اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية    896.551 شحنة بريدية تم تسليمها يوميا برمضان    العيد انطلاقة لا ختام    1320 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية    ولي العهد يوجه بتوفير أراض مخططة ومطورة للمواطنين في الرياض    تجمع الرياض الصحي الأول يحقق أرقاماً قياسية في ختام حملة "صم بصحة"    أبشر بالفطور تختتم أعمالها بتغطية محافظات الشرقية و توزيع ٥٠ الف وجبة    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق حملة «عيدك يزهو بصحتك» بمناسبة عيد الفطر المبارك 1446ه    أكثر من 70 ألف مستفيد من برامج جمعية الدعوة بأجياد في رمضان    حليب الإبل إرث الأجداد وخيار الصائمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في ناصرية ما بعد عبد الناصر
نشر في الحياة يوم 24 - 09 - 2010

تمر هذه الأيام الذكرى الأربعون لغياب الرئيس المصري والزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وهي مناسبة للتأمل في أحوال التيارات والتنظيمات الناصرية، ليس داخل مصر وحدها، بل على امتداد العالم العربي بأسره، باعتبار أن الناصرية كتيار فكري وحركة سياسية كانت موجهة للعالم العربي كله وبقيت ممثلة، وإن بدرجات متفاوتة، في مختلف أقطاره بعد رحيل عبد الناصر نفسه، وهو ما نراه في شكل أوضح في الدول العربية التي تسمح بالتعددية السياسية، مع الإقرار بالطبع بالتنوع والتباين في مدى ونطاق هذا السماح ومدى استمراريته ومؤسسيته.
وقد كانت الناصرية مرشحة، بخاصة في السبعينات، لأن تمثل رافداً رئيسياً من روافد العمل السياسي العربي، باعتبار أن مفردات خطابها السياسي مفهومة للمواطن العادي، مثلها في ذلك مثل مفردات الخطاب السياسي للتيارات الدينية المسيسة في أغلبها، وليست معقدة كما الحال مع خطاب غالبية التيارات اليسارية والليبرالية مثلاً. كذلك ارتبطت بتجربة معاشة مرت بها الشعوب العربية فعلياً، بإيجابياتها وسلبياتها، وليست معتمدة على تجارب تمت خارج حدود العالم العربي.
إلا أن هذا التوقع، وبعد أربعة عقود على رحيل الرئيس عبد الناصر، لم يتحقق على أرض الواقع، في أي من البلدان العربية. لذا لزم القيام بقراءة لواقع تلك التيارات الناصرية والتعرف على بعض أسباب ذلك الإخفاق النسبي في الاستجابة لمستوى التوقعات التي كانت معقودة عليها، وتحديداً في أعقاب غياب عبد الناصر مباشرة، وذلك بالرغم من استمرار الشعبية الواسعة للرئيس الراحل على امتداد العالم العربي إلى هذه اللحظة.
وفي إطار ملاحظة الوضعية الراهنة للتيارات الناصرية ومراقبة أدائها، أود أن أركز على مكون مهم اتسمت به، دون أن يقتصر عليها، إذ شمل تيارات أخرى على ساحة العمل السياسي العربي، أعاق في الكثير من الحالات نهوض هذه التيارات إلى المستوى المأمول من الشعبية والأداء السياسي والنجاح. وأعني هنا أن حالة التنظيمات الناصرية على امتداد الساحة العربية اتسمت بدرجة عالية من التفتت الحركي وما يمكن وصفه بالتشرذم التنظيمي.
وتنطبق هذه الملاحظة على كل الأقطار التي توجد فيها هذه التنظيمات، وفي المقدمة منها، ولكن ليس حصرياً، الحالة المصرية حيث المكان الذي خرجت منه الناصرية إلى بقية العالم العربي. ففي مصر، مثلاً لا حصراً، بدأت جهود الناصريين ببناء تنظيمهم السياسي عقب وفاة الرئيس الراحل وبدء تجربة المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي التنظيم السياسي الوحيد في مصر منذ تبني ميثاق العمل الوطني عام 1962 في 1974، حيث تقدم عدد من الشخصيات الناصرية، في مقدمهم رفيق مسيرة عبد الناصر منذ ما قبل الثورة وخلالها، الراحل كمال الدين رفعت، والأستاذ الجامعي الراحل الدكتور عبد الكريم أحمد والنقابي العمالي والسياسي وعضو البرلمان لاحقاً كمال أحمد، لتأسيس"المنبر الاشتراكي الناصري"، ثم انضم بعض الناصريين، وفي مقدمهم رفعت، إلى منبر"التجمع الوطني التقدمي الوحدوي"، الذي اعتبر منبر"اليسار"حينذاك، حين أعلن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات السماح بثلاثة منابر فقط يسار ووسط ويمين. إلا أن البعض الآخر، وفي مقدمهم كمال أحمد، أصروا على تأسيس منبر ناصري مستقل تحت اسم"التنظيم الناصري ? تحالف قوى الشعب العاملة"، واستمرت مساعيهم بعد قرار الرئيس السادات تحويل المنابر إلى تنظيمات، ثم لاحقاً إلى أحزاب في تشرين الثاني نوفمبر 1976 عقب الانتخابات البرلمانية التي تمت في مصر قبل ذلك بوقت وجيز.
إلا أن هذه المساعي مع استمرارها لم تثمر، في الوقت الذي بدأت تسعى مجموعة ثالثة من الناصريين، بخاصة القيادات التي كانت قد تعرضت لأحكام بالسجن في قضية 15 أيار مايو الشهيرة والتي جسدت المواجهة وصراع السلطة بين السادات وبعض رموز المرحلة الناصرية لتأسيس حزب ناصري باسم"الحزب الاشتراكي العربي الناصري"، عقب خروجها من السجن بعد أكثر من شهر تقريباً على تولي الرئيس مبارك مسؤولية الحكم تشرين الأول/أكتوبر 1981، وكان في مقدمة هذا المسعى الراحل فريد عبد الكريم، القيادي السابق في الاتحاد الاشتراكي العربي. وتم رفض هذا الحزب من قبل لجنة الأحزاب، والتي يشترط الحصول على موافقتها لتأسيس أي حزب جديد، كما أن مؤسسيه خسروا الدعاوى القضائية التي رفعوها للحصول على حق تشكيل حزب مع تجاوز اللجنة المذكورة. ثم خرجت مجموعة من هؤلاء لاحقاً وتقدمت بطلب لتأسيس"الحزب العربي الديموقراطي الناصري"، وهو حزب تشكل بالفعل بزعامة ضياء الدين داوود وحصل على الشرعية في منتصف التسعينات. لكن هذا الحزب فشل في جمع صفوف الناصريين جميعاً في مصر، فبقيت شخصيات ناصرية خارجه أو خرجت منه شخصيات بعد دخولها، وسعت تلك الشخصيات الى تأسيس أحزاب ناصرية أخرى، كما بقي ناصريون في حزب التجمع اليساري، وبقى ناصريون في الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم. ومن هؤلاء الناصريين الذين بقوا خارج الحزب الناصري أو خرجوا منه نجد محاولات مستمرة لإنشاء أحزاب ناصرية أخرى ك"حزب الكرامة"بزعامة النائب البرلماني والقيادي السابق في الحركة الطالبية حمدين صباحي، بالإضافة إلى حزبين آخرين يعلنان الانتماء للفكر الناصري، وهما"حزب مصر العربي الاشتراكي"و"حزب الوفاق القومي"، دون أن ننسى عدداً من الشخصيات الناصرية المهمة خارج هذه الأحزاب الفعلية أو التي تسعى للحصول على الشرعية.
ويصدق هذا التشرذم على حالات دول عربية أخرى، حيث فشلت التيارات الناصرية، ليس على صعيد العالم العربي مجتمعاً فقط، بل حتى على صعيد كل قطر على حدة، في تحقيق وحدتها التنظيمية، أو الحفاظ عليها عندما تحققت. ويعود هذا الإخفاق إلى مزيج مما يمكن تسميته باعتبارات موضوعية كالخلافات الفكرية حول تفسير المعطيات الناصرية ودلالاتها السياسية في عالم ما بعد عبد الناصر، أو تباينات سياسية حول المواقف التي يجب أن تتخذها الحركات الناصرية تجاه الحكومات القائمة في بلدانها أو تجاه القوى السياسية الأخرى، مع تنوعها، أو الاختلاف حول كيفية التعامل مع قضايا مستجدة، بخاصة ما يتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما يستوجب بالضرورة إجراء مراجعات جدية للعديد من الركائز الأساسية للأيديولوجية الناصرية، واعتبارات ذاتية مثل الخلافات في ما بين قيادات هذه التنظيمات.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.