يتجه نظام الزراعة الحافظة في سورية، ليكون بديلاً موائماً لنظام الزراعة التقليدية المؤذية للبيئة لما تحويه من عمليات حرق لمخلفات المحصول واتباع فلاحات عميقة للتربة تؤثر في بناء التربة وصلابتها وتخفض معدل التنمية المستدامة. وأوضح المدير العام للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة"أكساد"الدكتور رفيق علي صالح،"أن الزراعة الحافظة تسعى إلى زيادة الإنتاج والحفاظ على التربة والتقليل من استخدام موارد المياه، وأن الحاجة إلى هذا النمط من الزراعة تزداد في ظل ارتفاع الطلب على منتجات الغذاء وتدهور الأراضي الزراعية نتيجة عمليات التكثيف الزراعي وشح الموارد المائية العذبة وتدني إنتاجية الأرض والمحاصيل الزراعية". ولفت إلى ضرورة إجراء تغيرات جذرية في نظم الإنتاج الزراعي واستبدال النظم التقليدية بنظم إنتاج زراعي أقل استهلاكاً للموارد الطبيعية وأكثر وقاية للتربة الزراعية من الانجرافين الريحي والمائي، ما يؤمنه نظام الزراعة الحافظة. وقال صالح في تصريح لوكالة الأنباء السورية"سانا"، إن نظام الزراعة الحافظة، تقليد للنظام الطبيعي قبل تدخل الإنسان وإحلاله ممارسات خاطئة، لأنه يزيد من استدامة إنتاجية النظم البيئية الزراعية، ويخفّض من تلوث الهواء ويخفف من وطأة ظاهرة الاحتباس الحراري. وبيّن أن إلغاء الفلاحات يساعد في تأمين نحو 30 في المئة من الوقت و40 في المئة من العمال و60 في المئة من معدل استهلاك الوقود و40 في المئة من إنتاجية المياه، ما يساهم في تقليل تكاليف الإنتاج الزراعي وتحسين دخل المزارع. ولفت صالح إلى أن المركز يسعى إلى تعميم نظام الزراعة الحافظة في الدول العربية كافة، لما يحققه من كفاءة في خفض تكاليف الإنتاج الزراعي وتحسين دخل المزارع. وبيّن أن المركز طبق هذا النظام في كل من سورية ولبنان والأردن وموريتانيا، فأدى تعميمه في حقول المزارعين إلى نتائج جيدة في مجال تحسين إنتاجية أنواع المحاصيل الزراعية كلها، وتقليل تكاليف الإنتاج الزراعي مقارنة بالزراعة التقليدية. وأوضح الخبير في مركز"أكساد"الدكتور أيمن العودة، أن نظام الزراعة الحافظة يحقق فوائد مادية للمزارعين فيقلّص الحاجة إلى عمال زراعيين ويخفّض تكاليف استهلاك الطاقة في المزرعة، وعدد العمليات الزراعية مثل التعشيب والتسميد ومكافحة الآفات، ما يحقق استقراراً في الإنتاج الزراعي وازدياداً في مخرجات الإنتاج قياساً إلى مدخلاته. وشرح العودة كيف يقلل نظام الزراعة الحافظة عدد الفلاحات لإعداد المهد المناسب للزراعة، مقارنة بالزراعة التقليدية ما يوفّر في أجور الفلاحات المتكررة للتربة والتي تقدر بنحو 5 - 6 دولارات للدونم الواحد، ويزيد من كفاءة استعمال الآلة الزراعية المستخدمة في مراحل البذر وإطالة عمرها الإنتاجي نتيجة لإجراء عمليتي شق التربة والبذر معاً. وبينت دراسة أجرتها إدارة بحوث المحاصيل في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في دمشق - حول التجربة السورية في تطبيق نظام الزراعة الحافظة لمحاصيل الحبوب التي تسود في المناطق الجافة وشبه الجافة من البلاد، والتي يتصف إنتاجها بالتذبذب من موسم إلى آخر نتيجةً لكميات الأمطار وتوزيعها السنوي أثناء موسم النمو- أن ترك بقايا المحصول السابق أو قسم منه على الأقل أثّر إيجاباً على مخزون التربة الرطبة وعلى نشاط الكائنات الدقيقة وزيادة قدرتها على تحليل بقايا المحصول ما يساهم في ارتفاع نسبة المادة العضوية. وتوصلت الدراسة إلى أن زيادة معدل البذار المستخدمة 30 في المئة وزيادة الإنتاجية بما يعادل 20 في المئة عن الزراعة التقليدية توفر كثيراً في اليد العاملة والوقت والجهد والمال المستخدم في الزراعة، وتحمي البيئة من التدهور وتساهم في الحد من التبدلات المناخية السلبية التي تهدد مستقبل الإنسان. وأوضح مدير الإرشاد الزراعي الدكتور محمد العبدالله أن مشروع نشر الزراعة الحافظة في سورية بدأ في موسم 2007 - 2008 بالتعاون بين مديرية الإرشاد الزراعي والمركز العربي أكساد والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية والوكالة الألمانية للتعاون الفني"جي تي زد"في خمس محافظات هي درعا والسويداء وحمص وإدلب وحلب بواقع خمسة حقول في كل محافظة وبمساحة هكتار واحد لكل حقل بما مجموعه 25 هكتاراً. وأشار إلى أن ما تحقق في موسم 2008 - 2009 يشكل قفزة نوعية على مستوى التنفيذ مقارنة بالموسم السابق، حيث بلغت المساحة المزروعة وفق هذا النظام 144 هكتاراً وزعت على 78 حقلاً في 6 محافظات هي درعا والسويداء وحمص وحلب وإدلب والحسكة زرعت حبوباً نجيلية: قمحاً وشعيراً، وبقوليات: حمصاً وعدساً وكرسنة وجلباناً. وأفاد العبدالله بأن نسبة التنفيذ لهذا النوع من الزراعة ازدادت خلال موسم 2009 - 2010 بنحو 500 في المئة إلى 695.9 هكتار موزعة على 131 حقلاً في المحافظات السابقة وبالأنواع المزروعة. وأضاف أن النتائج الإيجابية التي حققها نظام الزراعة الحافظة تستوجب الإسراع بضرورة صياغة مشروع إقليمي وعربي يلبي احتياجات التغيّرات المناخية ويتكامل مع النظم الزراعية السائدة واستقدام مزيد من آلات البذر المباشر أو العمل على تصنيعها محلياً لتفي بحاجة التوسع في حقول نشر النظام، وتعزيز القدرات الفنية للفنيين والمزارعين في مجال إدارة نظام الزراعة الحافظة. يُذكر أنه بدئ بتطبيق هذا النظام أواخر ستينات القرن الماضي في عدد من الدول، مثل: الولاياتالمتحدة وكندا والبرازيل واستراليا ودول أوروبا بمساحة بلغت 100 مليون هكتار حتى 2007 .