كثافة الأشجار المثمرة في جنوب سورية، صارت في العقد الأخير ظاهرة لافتة للاهتمام، فالمسافر الى محافظتي السويداء ودرعا تدهشه بالتأكيد رؤية البساتين والكروم في منطقة عرفت منذ عصور سحيقة بزراعة الحبوب، وتحديداً القمح الى الحد الذي أطلق معه القدماء إسم "إهراءات روما" عند الحديث عن منطقة حوران بشقيها السهل والجبل. اليوم تزداد في صورة مستمرة المساحات المزروعة بأشجار الزيتون والعنب، حتى وصلت أشجار الزيتون في محافظة درعا وحدها الى حوالى سبعة ملايين شجرة غالبيتها الساحقة في حالة انتاج سنوي، فيما تستعد البقية للإثمار في الأعوام المقبلة. والذين عاشوا في سورية خلال سنوات السبعينات - وحتى أواسط الثمانينات - يدركون بوضوح الفروق الكبيرة التي طرأت على المشهد الزراعي في مناطق جنوب سورية، والتي انتقلت بالمنطقة الى حالة جديدة، تسهم من خلالها في الانتاج الزراعي السوري بصورة جدية، إذ هي اليوم المحافظة الثانية في انتاج الزيتون وزيته بعد محافظة إدلب، العريقة في هذه الزراعة. هل يمكن قهر الطبيعة وتوفير ظروف أكثر ملاءمة للزراعة؟ هذا السؤال فرضته ولا تزال الظروف الطبيعية القاسية في هاتين المحافظتين، اللتين تتصف الأرض فيهما بكثرة الصخور البركانية السوداء وشح المياه، ولهذا السبب عمدت الدولة الى انشاء مشروع مهم وحيوي هو مشروع "تطوير التنمية الزراعية في المنطقة الجنوبية"، أي على مساحة عمل تقدّر ب9،2 مليون هكتار ويعيش فهيا 2،3 ملايين نسمة، يبلغ عدد الأسر الريفية بينها 108 آلاف أسرة. المرحلة الأولى من المشروع اقتصرت على محافظتي درعا والسويداء، لكن نجاح مشروعاتها دفع الى تعميم التجربة لتشمل محافظتين اخريين هما ريف دمشق والقنيطرة، حيث بدأ العمل الفعلي عام 1986 وفي مناطق معدلات أمطار تتراوح بين 250 - 650 ملم. المهندس فواز الأحمد مدير المشروع في محافظة السويداء، ذكر ل"الحياة" ان المرحلة الأولى من المشروع قد حققت مجموعة من الانجازات المهمة: 1 - في مجال التشجير المثمر تم استصلاح مساحة 6997 هكتاراً بنسبة تنفيذ وصلت الى 200 في المئة حين تم استثمار هذه المساحات بالكامل في زراعة الأشجار المثمرة المتنوعة. 2 - في مجال المحاصيل الحقلية تم استصلاح مساحة 13904 هكتارات، أي بنسبة تنفيذ وصلت الى 220 في المئة. 3 - تم تنفيذ 105 كلم من الطرقات التي ساعدت على سرعة وسهولة تنفيذ المشاريع الزراعية. 4 - تم توزيع الغراس المتنوعة على الفلاحين حتى نهاية موسم 1998، وكانت 522736 غرسة متنوعة تشمل التفاح - الإجاص - الخوخ - الكرز - الكرمة - الزيتون والدراق. 5 - تم توزيع 43 جرار بستنة صغيراً بقوة مناسبة وعلى شكل قروض تسدد في مدة خمس سنوات. 6 - تم توزيع 82 جراراً بقوة 70 حصاناً للفلاحين في قرى المحاصيل وكانت أيضاً على شكل قروض لمدة خمس سنوات. 7 - تم تدريب حوالى 300 فلاح على قيادة وصيانة الآليات الزراعية وملحقاتها في مركز التدريب على الآلات الزراعية في بلدة المزيريب. كذلك تم تدريب عدد من المهندسين والمراقبين الزراعيين على إدارة المزارع وعلى خدمة الأشجار المثمرة الموجودة في المنطقة. 8 - تم توزيع المساعدات الغذائية على الأخوة الفلاحين الذين استصلحت أرضهم وبصورة مجانية، حيث استفاد من هذه المساعدات حوالى أربعة آلاف أسرة. 9 - تم العمل على شق الطرق الزراعية ضمن مواقع العمل وبحدود 400 كلم لتخديم الأراضي المستصلحة. 10 - عمليات الاستصلاح كافة التي تمت لمصلحة الفلاحين المستفيدين اعتبرت قروضاً طويلة الأجل بالنسبة الى التشجير ومتوسطة الأجل بالنسبة الى المحاصيل الحقلية، وذلك بالتعاون مع "المؤسسة العامة للمصرف الزراعي التعاوني". مهمات كبيرة بدأت المرحلة الثانية من المشروع منذ عام 1993، حيث ساهم في التمويل وعلى شكل قروض كل من "الصندوق الدولي للتنمية الزراعية" و"الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي" وبمبلغ قدره 2،41 مليون دولار اميركي. ويقول مدير المشروع في محافظة السويداء المهندس فواز الأحمد، ان ادارة المشروع وضعت لهذه المرحلة مجموعة من الأهداف المهمة والصعبة في الوقت نفسه هي: 1 - إزالة الصخور السطحية والقريبة من السطح مما يتيح لصغار المزارعين زيادة المساحة المستثمرة وزيادة الدخل. 2 - تدعيم خدمات الإرشاد الزراعي القائمة على روابط قوية بين البحوث والإرشاد. 3 - النهوض بالمرأة الريفية عن طريق تفعيل مشاركتها في الأعمال الزراعية والمنزلية والتوعية التعليمية والصحية واكتساب المهارات في المهن المولدة للدخل. 4 - تطوير الثروة الحيوانية عن طريق تحسين انتاج العروق المحلية، والمساعدة في تجميع وتسويق الحليب. 5 - توفير قروض زراعية للنساء الريفيات والفلاحين لتمويل أعمال مولدة للدخل. 6 - إقامة الدورات التدريبية الداخلية والخارجية لزيادة خبرة الكادر الفني في المشروع والمحافظات. هذا وقد تمكن العاملون في مشروع التطوير في محافظة السويداء، خلال الفترة الثانية من المشروع والتي امتدت حتى نهاية عام 1999 من تحقيق منجزات نوعية كبيرة ومتعددة، كان أهمها: أولاً: استصلاح الأراضي: 1 - في مجال التشجير المثمر: كان من المقرر استصلاح 3000 هكتار، تم تجاوزها الى 5198 هكتاراً، أي بنسبة تنفيذ 173 في المئة. 2 - في مجال المحاصيل الحقلية: المقرر 6000 هكتار تم تجاوزها الى 11601 هكتار أي بنسبة 193 في المئة. وفي كلا المجالين كانت تنفذ عمليات الاستصلاح اللازمة كافة تجريف - نقب - تمشيط وشق الطرق الزراعية التخديمية بواسطة الآليات الثقيلة. ثانياً: في مجال مساعدة الأسر الريفية: لتحقيق هذا الهدف يعمل المشروع بالتعاون مع المؤسسة العامة للمصرف الزراعي التعاوني والاتحاد العام للفلاحين والاتحاد العام النسائي على منح القروض الزراعية للفلاحين والنساء الريفيات لتشجيع الأسر الريفية على تربية الثروة الحيوانية وادخال التقنيات الزراعية الحديثة مثل: أقفاص الدواجين - المحالب الآلية - فرازات العسل - فرازات الحليب - ماكينات الخياطة - ماكينات التريكو. ولقد كانت خطة المشروع في هذا المجال منح 5700 قرض لصغار المزارعين بمن فيهم النساء الريفيات من أجل بناء الحظائر - إنشاء وحدات تسمين العجول والحملان - تحسين عروق الماعز الجبلي - نشر تربية الماعز الشامي - تعزيز تربية النحل وتربية الدواجن. ومنذ عام 1993 ولغاية عام 1999 وبالتعاون مع "المؤسسة العامة للمصرف الزراعي التعاوني" بلغ عدد القروض الممنوحة من قروض الأبقار - الأغنام - تسمين العجول - تسمين الحملان - آلات خياطة وتريكو - آلات حلابة - فرازات عسل - دواجن - أقفاص دواجن - حظائر مطورة - كباش محسن 2423 قرضاً، تنقسم الى نوعين: قروض عينية وقروض نقدية، والقروض العينية تتمثل بما يأتي: 1 - الآلات والمعدات الزراعية ومعدات المرأة الريفية. إذ تؤمن بشكل عيني عن طريق شركات التجزئة أو منافذ البيع للقطاع العام، وتعطى بقرض متوسط الأجل بمعدل آلة واحدة للمستفيد وهي ماكينات الخياطة - التريكو - فرازات العسل - فرازات الحليب - آلية حلابة. 2 - قروض الثروة الحيوانية مثل الأغنام المحسنة - الأبقار عالية الإدرار - الماعز الشامي المحسن، وتمنح بقروض متوسطة الأجل أيضاً. هذا ويؤمن المشروع قروض الثروة الحيوانية العينية من مؤسسات وزارة الزراعة و"المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والقاحلة" اكساد، ويقوم المصرف الزراعي بتغطية كامل قيمة القرض المحدد من الجهة العامة التي تقوم بتأمين القرض شريطة أن يت م دفع سلفة نقدية من قبل المقترض لفرع المصرف الزراعي، وتحسب السلفة من قيمة القرض. أما القروض النقدية فتشمل: 1 - الحظائر المطوّرة: قرض متوسط الأجل وبمعدل حظيرة واحدة للمستفيد. 2 - تسمين العجلان والحملان: قرض قصير الأجل بمقدار عشرة عجول أو عشرين رأس من الحملان للمستفيد الواحد. مشاهدة المزارع والحقول والتجول فيها، يمكنهما وحدهما أن يضعا النقاط على حروف الخطط والبرامج، فالمناطق التي تم استصلاحها وتأهيلها للانتاج الزراعي الفعلي أصبحت حقولاً وبساتين، تسهم مساهمة جدية وفاعلة في الانتاج الزراعي السوري عموماً وانتاج المنطقة الجنوبية على وجه الخصوص، لا سيما أن دراسات الجدوى التي قام عليها المشروع أخذت في الاعتبار قلة المصادر المائية ومحدودية معدلات الأمطار، فعملت منذ البداية على إقامة زراعات بعلية في هذه المنطقة الوعرة، وقد حققت نجاحات كبرى يمكن ملاحظتها في كثافة انتاج الفواكه وخصوصاً التفاح الذي لا يكاد يغيب عن الأسواق السورية معظم شهور السنة. قرض وحيد قدم الصندوق الدولي للتنمية الزراعية قرضاً وحيداً الى سورية بقيمة 18 مليون دولار اميركي، وذلك في عام 1982، لمشروع تطوير الزراعة في المنطقة الجنوبية - المرحلة الأولى. وقد أعدّ البنك الدولي للتنمية والإعمار دراسة الجدوى للمشروع المذكور في عام 1982 بتكاليف قدرت ب3،76 مليون دولار للسنوات الأربع الأولى، حيث ان عمر المشروع 8 سنوات. واجمالي تكاليف المشروع 2،145 مليون دولار، والأهداف الأساسية للمشروع كانت الزيادة الانتاجية في الزراعات البعلية في كل من محافظتي درعا والسويداء، وبالتالي زيادة دخل الأسرة وتقوية خدمات الإرشاد الزراعي لضمان الاستمرار. حققت الآليات المستخدمة في المشروع أكثر مما كان متوقعاً، ولا تزال الآليات تعمل ولكنها تقترب من نهاية عمرها النظري المقدّر بعدد ساعات التشغيل من قبل الصانع وذلك بفضل الخبرات التي اكتسبها المشرفون على الصيانة، والذين تمكنوا - في أحيان كثيرة - من التغلب على معضلات تقنية كان من الممكن أن تؤخر العمل. أهم الدروس المستفادة من المرحلة السابقة هو أن الصعوبات والعقبات في توريد الآليات والمعدات للمرحلة الأولى من المشروع قد تسببت في التأخير أحياناً، وتعتقد إدارة المشروع ان هذه الصعوبات لن تتكرر، فالبلدوزرات تقوم بتنفيذ أعمال شاقة أثناء عمليات استصلاح الأراضي وان توفير قطع التبديل اللازمة عن طريق الاستيراد هي عملية صعبة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً وبالتالي فقد عملت على تضمين الاستيراد الأول كميات أكبر من قطع التبديل الضرورية. أثبتت المرحلة السابقة من المشروع ان الارشاد الزراعي بطبيعته لا يستنفد الكثير من الموارد، وهو الأكثر نجاحاً في تعميم الفوائد على الجميع، حتى عندما يستهدف النشاط مجموعة معينة ومحددة.