دقت ساعة العمل، فنهضت من فراشها على عجل. وبينما هي ترتدي ملابسها، لفت نظرها وجود بقع صغيرة بنية اللون ليست مرتفعة عن سطح جلد الرقبة، نظرت بإمعان الى المرآة وهي تلاحق بعينيها مكان البقع. لم تكترث لها، وقالت بينها وبين نفسها أنها ربما كانت حساسية تجاه شيء ما. في الأيام التالية أخذ الوضع يتأزم، وبدأت البقع تتوسع نحو أماكن أخرى من جسمها وبألوان مختلفة، يرافقها حكة عنيفة تشبة الوخز، خصوصاً عند التعرق، وتتساقط منها قشرة تشبه ذرات النخالة. ذهبت إلى الطبيب خائفة تعرض مصابها، وما أن أمعن النظر في البقع بمساعدة المكبر، حتى بادرها إلى القول وكأنه يعرف ما يدور في خلدها، لا تجزعي فهو ليس مرضاً خطيراً، أنت تعانين من مرض النخالية المبرقشة، وستشفين منه عفوياً في غضون أسابيع قليلة من دون عقابيل ولا آثار تذكر على الجلد. وبالفعل لم تمض خمسة أسابيع على ظهور البقع حتى ولّت أدبارها. النخالية المبرقشة مرض من أكثر الأمراض الجلدية انتشاراً، هوايته المفضلة ضرب البالغين، ومن النادر أن يشاهد عند الأطفال. وتتظاهر النخالية على شكل بقع صغيرة في المستوى نفسه للجلد، تتساقط منها توسفات ناعمة تشبه بودرة النخالة من هنا تسمية النخالية، وتكون البقع على هيئة ألوان مختلفة تتدرج بين البني الفاتح إلى الأبيض ولهذا سميت بالمبرقشة. تبدأ البقع بالظهور عادة في منطقة الصدر والرقبة وأعلى الذراعين، وقد تمتد إلى أمكنة أخرى في الظهر والبطن والفخذين. وقد تلم البقع الصغيرة المتجاورة شملها لتشكل نواة"اتحاد"يغطي مساحة أوسع من الجلد تكسوها طبقة ناعمة من القشور. وهناك حالات نادرة من النخالية لا تعرف حدوداً فتراها تغزو تخوم الجسم كله من دون محرمات. كما أن هناك حالات أخرى تكون فيها البقع مغطاة بنوع من الحويصلات تثير الشك بوجود مرض الحماق مع أن الأخير لا ناقة له ولا جمل في الأمر. وتكون الاندفاعات الجلدية ظاهرة بوضوح أكبر عند أصحاب البشرة السمراء، في حين أنها تكون أقل وضوحاً لدى أصحاب البشرة البيضاء. وفي بعض الأحيان ترافق البقع الجلدية حكة بسيطة قد تغدو أعنف مع توافر بعض العوامل. وبخلاف الحكة لا تظهر عوارض أخرى مصاحبة لمرض النخالية. وسبب النخالية المبرقشة، نوع من الفطور الذي يعيش طبيعياً على سطح الجلد، يطلق عليه اسم"بيتريسبوريوم أوفال"، فلسبب ما يتكاثر هذا الفطر لدى البعض في شكل يفوق الحد الطبيعي، فيبدأ في مهاجمة الجلد فيظهر مرض النخالية المبرقشة، وهناك عوامل من شأنها أن تشجع على زيادة تكاثر الفطر المذكور مثل الرطوبة الزائدة، والتعرق، وارتفاع الحرارة، لهذا تكثر رؤية مرض النخالية في فصل الصيف وفي المناطق الحارة أكثر من المناطق الباردة. ما هو العلاج؟ تتم المداواة باستعمال مضادات الفطور الموضعية على هيئة كريمات أو محاليل، ويستغرق العلاج مدة أسبوعين. وفي حال إصابة مساحات واسعة من الجلد يصف الطبيب أحد أنواع الشامبو المناسب، الذي يحتوي على مادة"الكيتوكونازول"، إذ يتم وضعه على الجسم ويترك مدة خمس دقائق ثم يشطف بالماء. وتراوح مدة العلاج من 5 إلى 7 أيام . كما يمكن استعمال شامبو آخر يحوي مادة"السلفيد سيلينيوم"لمرة واحدة يومياً على مدى أسبوع كامل، إذ يغسل الجسم به ويترك فترة نصف ساعة، ومن ثم يشطف بالماء. ومن أجل الوقاية من مرض النخالية فقد يوصي الطبيب باستعمال أحد نوعي الشامبو المذكورين أعلاه لمرة واحدة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. وعند استحالة تطبيق الوصفات الموضعية قد يلجأ المعالج إلى تحرير وصفة تحوي على أقراص مضادة للفطور، يجب تناولها بإشراف الطبيب كونها شديدة السمية للكبد. وفي حال استعمال العلاج الأخير يوصى بالرياضة البدنية بعيد تناول العقار بساعة من أجل تشجيع افرازه العرق وبالتالي زيادة فاعليته لمواجهة المرض. ولكن ماذا بعد العلاج؟ بعد انتهاء معالجة المرض تتلاشى البقع الجلدية الغامقة وتترك وراءها بقعاً فاتحة اللون تحل ضيفاً على الجلد لمدة قد تصل ستة أشهر، قبل أن تعود الى اللون الطبيعي بفعل التعرض للأشعة الشمسية أو للأشعة فوق البنفسجية. أخيراً، تبقى الملاحظات الأساسية الآتية: إن مرض النخالية المبرقشة لا ينتقل بالعدوى من شخص إلى آخر من خلال استعمال ملابس أحد المصابين، أو من ارتياد المسابح. بدأت النخالية في أيامنا هذه تستوطن الجلد فترة أطول من الأسابيع الخمسة أو الستة التي كان الطبيب يعد بها مرضاه. في بعض الحالات النادرة قد تصيب النخالية اللسان فتظهر عليه تغيرات وصفية لا تخفى على الطبيب. قد يصعب تشخيص النخالية أحياناً، لتؤخذ على أنها مرض جلدي آخر ليتبين في ما بعد أنها ليست سوى مرض النخالية المبرقشة. قد تظهر الأكزيما على خلفية النخالية، نتيجة استعمال المطريات والمركبات الحاوية على الستيروئيدات، وهذه الأخيرة قد تؤدي إلى تراجع سحري للآفة، ولكن المرض قد يعاود الظهور بسرعة فائقة بعد إيقافها ليتابع سيره ربما في شكل أعنف من المعتاد. النخالية المبرقشة لا تظهر لمرة واحدة في العمر كما كان يعتقد أو يقال سابقاً، فهي قد تعاود الكرة مرات ومرات عند بعض الأشخاص المستعدين. الهربس قد يكون سبباً لظهور النخالية المبرقشة. هناك توجهات حديثة توصي باستعمال عقار"إريترومايسين" باكراً في الأشكال المنتشرة من النخالية، فهذا من شأنه أن يقود إلى الحد من توسع المرض وتقصير مدة إقامته على سطح الجلد.