{ في دورته العشرين، غادر المؤتمر الدولي للقباب السماوية مستقرّه الغربي، للمرة الأولى، واستقر في قاعات مكتبة الإسكندرية التي تمتلك قبة سماوية تعتبر من الأكثر تقدّماً بين 22 قبة مماثلة في الدول العربية. وعلى عكس تقنياته المرتكزة على العِلم الموضوعي وأساليبه ومناهجه وأدواته، دعا هذا المؤتمر الى استعمال الخيال أداة للتعلّم، باعتباره الخطوة التالية في علوم القباب السماوية، بعد التطوّر الكبير الذي شهده بدخول المعلوماتية وأدواتها الرقمية الذكية وشبكاتها المترابطة على مدار الساعة. ولاحظ المؤتمر ان علم الفلك العربي الاسلامي نهض بفضل روح التنوّع والكوزموبوليتية التي سادت طويلاً في الامبراطورية الاسلامية. وذكر بأن النهضة الأوروبية الحديثة اعتمدت على إنجازات العرب والمسلمين في الفلك التي اقتبست على يد علماء أسسوا لتلك النهضة، مثل غاليليو وكوبرنيكوس. يمثّل التعليم بواسطة الخيال والحض على التفكير أحد أهداف القباب السماوية"بلانيتاريوم"Planetarium ، التي تشكّل نافذة مهمة للتعرف الى عالم الفلك الذي يلفه قدر كبير من الغموض. وثمة 700 قبة سماوية عالمياً، بينها 22 قبة في العالم العربي. يصلح ذلك مدخلاً لفهم أهمية"مؤتمر الجمعية الدولية للقباب السماوية"20th International Planetarium Society Conference الذي استضافت مكتبة الإسكندرية دورته العشرين أخيراً. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعقد فيها خارج الولاياتالمتحدة وأوروبا، علماً أن دورته الأولى عقدت عام 1970. وتنافست مصر في استضافة دورته الأخيرة، مع الصين وفرنسا وسلوفينيا. وأقيم على هامش المؤتمر الذي استمر أربعة أيام، معرض شاركت فيه 25 شركة عالمية متخصصة في صنع القباب السماوية ومعدات العرض فيها، إضافة إلى تلك التي تصنع أفلاماً تعليمية وترفيهية. عودة العراق لدراسة الفلك في المؤتمر، لوحظ حرص كثير من الوفود العربية على زيارة المعرض، وعقد صفقات مع الشركات العارضة، ومنها الوفد العراقي الذي يسعى إلى إحياء القبة السماوية العراقية التي تهدمت بسبب غزو العراق في 2003. والمعلوم ان القبة العراقية كانت من الأكبر في المنطقة. وكذلك اتفق الوفد الجزائري مع إحدى الشركات لإحياء القبة السماوية الجزائرية المغلقة حالياً. وأبرمت وفود المملكة العربية السعودية وقطر ولبنان والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة، اتفاقات لتحديث قبابها السماوية. والمعلوم أن مصر تمتلك قبتين سماويتين، إحداها في مكتبة الإسكندرية والثانية في الكلية الحربية في القاهرة. وأعلن منسق المؤتمر الدكتور عمر فكري توقيع بروتوكول لإطلاق قمر اصطناعي تعليمي ل"مكتبة الإسكندرية"بالتعاون مع"الهيئة القومية المصرية للاستشعار من بُعد"تحت إشراف الدكتور فاروق الباز، مدير"مركز الاستشعار من بُعد"في جامعة بوسطن الأميركية. وشهد المؤتمر اجتماعاً لمسؤولي القباب السماوية في 11 دولة عربية، أعدوا مذكرة تفاهم لإنشاء رابطة عربية لتلك القباب. ونوقشت بحوث ركزت على طرق جعل القبة السماوية مجالاً تعليمياً، إضافة إلى كونها مجالاً ترفيهياً وعنصراً سياحياً. وقُدّم بحث عن الاسطرلاب وتطويره كي يعمل بالنُظُم الرقمية، وصولاً لصنع اسطرلاب يوضع في الجيب. وكذلك قدّمت سريلانكا بحثاً عن تشغيل القبة السماوية لذوي الاحتياجات الخاصة، مثل الصم والبكم والمكفوفين وغيرهم. رحلتا القمر والمريخ وألقى عالم الفلك المصري فاروق الباز محاضرة تحت عنوان"تجربة ال"ناسا":"رحلة القمر ودراسة المريخ". تناول الباز مشروع مركبة الفضاء"أبوللو"، معتبراً أنه من أعظم الإنجازات البشرية وأبرز مثال على إمكانية نجاح المشاريع العلمية لأنه اعتمد على تحقيق هدف معين تم تحديده منذ البداية، وهو الذهاب إلى القمر، والعودة إلى الأرض. وأشار الباز إلى أن اكتشافات الإنسان لخصائص القمر ومعالمه فتحت بوابة جديدة للبحوث العلمية في المستقبل، حيث يدرس العلماء حاضراً آفاق توظيف المصادر القمرية وإمكان استخدام مياه القمر، بعد أن توصلت البحوث الى وجود ثلج على سطحه، في شكل حبيبات صغيرة ممتزجة مع التربة. وأكد الباز أن معرفة خصائص القمر استخدمت في معرفة تاريخ كوكب الأرض وخصائصه. وتحدث الباز عن ظاهرة حِمَم الشمس، واعتبرها تحدياً علمياً كبيراً لأنها تفرض على الإنسان التفكّر في آثارها المستقبلية. وأشار الباز إلى أن الدراسات أثبتت أن بعض دورات الشمس ستكون أكثر كثافة في المستقبل، ما يؤثر على حِمَمها التي تتكون من إشعاع ضخم محمّل بالطاقة، يستطيع التأثير على الأرض ونظم الكهرباء والإتصالات فيها. وبيّن الباز أن الجهود الرامية إلى وصول الإنسان إلى كوكب المريخ، تواجه بعض العقبات، منها أن رحلة الوصول إلى المريخ تستغرق من ستة إلى تسعة شهور باستخدام التكنولوجيا الحالية، ما يفرض ابتكار وسائل مختلفة للوصول إلى الكوكب في فترة زمنية أقل. ولاحظ الباز أخيراً ان المريخ بإمكانه أن يدعم عيش البشر عليه، نظراً الى إمتلاكه غلافاً جوياً ومخزوناً مائياً. وألقى أستاذ العلوم العربية والإسلامية في جامعة كولومبيا الأميركية الدكتور جورج صليبا، محاضرة بعنوان"الفلك العربي الإسلامي من المنظور الأوروبي وتعدّد الثقافات". ولاحظ صليبا أن المخطوطات العلمية والشواهد التاريخية تثبت بطريقة علمية أن العلماء العرب والمسلمين لم يبنوا نظرياتهم في علم الفلك على النظريات اليونانية، بل نقدوا نظريات الإغريق وجددوا معايير الفلك، وقدموا حسابات أكثر دقة من اليونان، مشيراً الى ان الحسابات العربية ما زالت مستخدمة راهناً. وأوضح أن مصطلح"العلم العربي الإسلامي"لا يعني أن الإسهامات العلمية اقتصرت على العلماء العرب والمسلمين، بل أنها شهدت مشاركات من علماء تجمعوا في إمبراطورية عظيمة ضمت العرب وغير العرب والمسلمين وغير المسلمين، ما أوجد ثقافة كوزموبوليتانية. وأشار إلى أن مصطلح"العلم العربي والإسلامي"يأتي من فكرة أن معظم الإسهامات العلمية جاءت انطلاقاً من انتشار الثقافة الإسلامية التي عملت على تطوير نظريات علمية تتوافق مع متطلباتها، إضافة إلى أن كتابة معظم النظريات العلمية تمت حينها باللغة العربية. وبيّن أن أول ما قام به علماء المسلمين لخدمة الإسلام هو محاولة إيجاد طريقة علمية جديدة لحساب توقيت الصلاة الوسطى صلاة العصر، التي كان يعتقد أنها تبدأ بظهور ظل الإنسان على الأرض بنفس طوله إلى أن يتحول الظل إلى ضعف طول الإنسان. وقد أدت الحسابات والنظريات المبدئية للعلماء المسلمين إلى تطويرهم لحساب المثلثات وإثبات تغير حركة النجوم الثابتة وحساب محور الأرض. وأشار صليبا إلى أن العرب توصلوا إلى نظرياتهم تلك في الفلك، بعد اكتشاف الأخطاء الكبيرة في حسابات اليونان، خصوصاً نظرية بطليموس حول تغيّر حركة النجوم الثابتة وحساب محور الأرض. وأثبت علماء العرب أن حركة الكواكب تحصل بمقدار درجة كل 70 عاماً، ما يتعارض مع نظرية بطليموس القائلة إن هذه الحركة تجري كل 100 عام. وقدّم صليبا عدداً من الأدلة العلمية التي تثبت أن علماء النهضة الأوروبية اعتمدوا على الإسهام العربي والإسلامي في العلوم ونظرياته التي أنجزت قبل نهضة أوروبا بقرنين. وأشار إلى أن عالم الفلك البولندي كوبرنيكوس اعتمد على نظرية الازدواج، التي أسسها عالِم الفلك الطوسي، على رغم ارتكاب كوبرنيكوس لأخطاء في ترجمة تلك النظرية! وتحدّث صليبا عن عالم الفلك والفيلسوف والفيزيائي الإيطالي غاليليو، مبيّناً أنه اعتمد على نظريات الطوسي لحساب مركز الأرض وموقعه بالنسبة إلى الشمس. وأشار إلى أن معظم الكتابات الأولية لغاليليو ناقشت مشكلة الحركة، إعتماداً على نظريات كوبرنيكوس المرتكز إلى نظريات الطوسي والخوارزمي. وأخيراً، أشار صليبا الى استخدام غاليليو للكسور العشرية التي وجدت في العالم الإسلامي في القرن العاشر الميلادي، على رغم تشكيك البعض في اعتماد غاليليو عليها.