على رغم أن حكومة السيد نوري المالكي لم تحقق للشعب العراقي إنجازات تذكر لم تحسن الاقتصاد العراقي ولا مستوى المعيشة للمواطنين، لم تحد من ظاهرة الفساد، لم تمنع استمرار التدخل في شؤون العراق، سواء من قبل سلطة الاحتلال الأميركي أم من قبل الدول الإقليمية، لم تبن دولة المواطنة، ولم تحقق الأمن والأمان، الذي يشجع اللاجئين في المنافي على العودة... إلخ... إلا أن"ائتلاف دولة القانون"الذي يرأسه المالكي، تمكن، بحسب نتائج الانتخابات التي أعلن عنها يوم 26 - 3 - 2010، من الحصول على أصوات عدد لا يستهان به من العراقيين، فحل ثانياً ب89 مقعداً 27 في المئة من عدد مقاعد البرلمان البالغة 325 مقعداً وبفارق مقعدين فقط عن المركز الأول، الأمر الذي يطرح السؤال الآتي: ما الذي يدفع الناس، في حال توافُر حرية الاختيار، لإعطاء أصواتهم لسلطتهم أو حكومتهم الفاشلة؟ الحقيقة أن هناك أسباب كثيرة ومتشابكة تفسر ذلك، فغياب دولة المؤسسات والقانون وانعدام الشفافية والمساءلة، وانتشار الفساد، وسوء الأوضاع المعيشية، وتفشي البطالة، وانتعاش الهويات ما قبل المدنية المذهبية، الطائفية، العشائرية...إلخ، كل ذلك يمكن السلطة الحاكمة، من استغلال ما بحوزتها من إمكانات وأوراق، من أجل كسب المؤيدين، وذلك عبر قنوات عديدة، منها، ما تكون قد قامت به من تأمين وظائف دائمة لهم في مؤسسات الدولة المختلفة الوزارات، الجيش، الأمن، الشرطة،...إلخ، فجيش العاملين هذا سيؤيد بمعظمه، بإرادته أم رغماً عنه، من يظن أنه ولي نعمته! فتغيير السلطة القائمة يحرك هواجس الخوف، لدى الموظفين، من احتمال خسارة الوظيفة مصدر العيش؟! ويتسع هاجس الخوف من التغيير، متغذياً من حالة اللااستقرار وانعدام الثقة وغياب الضمانات القانونية والخوف من المستقبل، ليشمل قطاعات كبيرة من المجتمع. وبينما تستثمر السلطة الحاكمة الأموال والإعلام الرسمي في التجييش، والدعاية الانتخابية، وتوفير الدعم اللوجيستي قبل وأثناء الانتخابات، تعاني القوى والأحزاب المعارضة، عموماً مع بعض الاستثناءات من نقص تلك الإمكانات، وهو ما يعكس نفسه بالضرورة على أدائها ونتائجها. ويلعب الاصطفاف الطائفي والعشائري الذي تغذيه السلطات الحاكمة في بعض البلدان دوراً كبيراً في نتائج الانتخابات. إضافة لما سبق، يمكن القول، إن التخلص من الأنظمة المستبدة، التي بحكم طبيعتها، تمنع إجراء انتخابات حرة ونزيهة تتيح إمكان التداول السلمي للسلطة، لا يعني أن عملية تداول السلطة سيتم بسلاسة ودون معوقات! فالأنظمة المستبدة تطبع المجتمع وقواه السياسية، بهذا القدر أو ذاك، بطابعها وبآليات تفكيرها، وهو ما يجعل القوى السياسية القابضة على السلطة، تلجأ، من أجل الحفاظ على سلطتها، لمختلف الوسائل بما في ذلك الوسائل غير الديموقراطية وغير القانونية جرت العادة أن تشكك المعارضة بنزاهة الانتخابات التي تشرف عليها السلطة القائمة بينما في حالة العراق، فإن الذي يشكك بالنتائج هو رئيس الحكومة نوري المالكي!. من جانب آخر، لا يمكن إهمال دور العوامل الإقليمية والدولية وتشبيك المصالح في تثبيت الوضع القائم ومنع تداول السلطة، فالتغيير، عموماً، ليس محموداً في منطقتنا التي تعتبر استراتيجية بالنسبة للعديد من القوى العالمية. في هذا السياق نشير إلى دور الاحتلال وسياساته في التأثير على الانتخابات في الدول والمناطق الخاضعة له. هكذا يمكن فهم، ليس تفاعلات الانتخابات العراقية الأخيرة ونتائجها، فحسب، بل أيضاً غيرها من التجارب الانتخابية. ففي لبنان مثلاً، تستمر سيطرة قوى الأمر الواقع الطائفية على السلطة ومؤسساتها وعموم مشهده السياسي، وذلك بفعل المال السياسي والاستقطاب الطائفي وأسباب أخرى. كذلك الأمر بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة. ففي ظل استمرار الأوضاع المعيشية السيئة، واعتماد حوالى ربع سكان الضفة وغزة على رواتب ومساعدات سلطتي فتح وحماس، فإن بقاء"النظام السياسي الفلسطيني"على حاله، أي استمرار سيطرة فتح وحماس، هو المرجح في حال أجريت انتخابات جديدة. وكما يشير الأستاذ غازي الصوراني في كتابه:"التحولات الاجتماعية والطبقية في الضفة الغربية وقطاع غزة - رؤية نقدية"فإن قطاعات كبيرة من المجتمع الفلسطيني باتت مستقطبة بين حركتي فتح وحماس بحكم عوامل واعتبارات دينية وثقافية وسياسية متنوعة، وبحكم المصالح المباشرة لهذه القطاعات، التي تشكل حكومة رام الله، أو حكومة حماس، رب العمل الرئيسي أو مورد رزقها الوحيد، باعتبار كل منهما الجهة المحتكرة لسوق العمل المسيطرة عليه، سواء عبر الوظيفة الرسمية في حكومة حماس أو السلطة أو عبر المصالح الاقتصادية المتنوعة في القطاعات الاقتصادية المختلفة. خلاصة ما سبق، هي، أنه حتى لو أجريت انتخابات ديموقراطية في الدول العربية، وشارك فيها فعلياً، من يريد من الأحزاب والقوى السياسية، فإن حظوظ الممسكين بأنظمة الحكم في الفوز وإعادة انتخابهم، ستبقى كبيرة، خصوصاً في الدول التي ستكون خارجة لتوها من مرحلة الاستبداد. أما المعارضة فإنها ستحصد، غالباً هناك بعض الاستثناءات، كما في حالة المعارضة العراقية في الانتخابات الأخيرة نتائج متواضعة، تدلل على ما فعله الاستبداد بها من عزل وإبعاد عن المجتمع، وما فعله بهذا الأخير من تدمير وتشويه وتخريب وإفساد. مع ذلك، فإن الخلاصة آنفة الذكر، لا تعني بحال، الاستخفاف بمطلب الديموقراطية في المنطقة العربية، الذي يجب أن يبقى على رأس أجندة المهام المطلوب إنجازها. كما لا تعني التشاؤم بمستقبلها، فما خلصنا إليه، ما هو إلا محاولة للوقوف على المحطات المحتمل أن يمر بها قطار الديموقراطية، وبالتالي هي دعوة لعدم الإحباط من النتائج المحتملة لأية انتخابات ديموقراطية يمكن أن تشهدها منطقتنا العربية. * كاتب فلسطيني