رؤية بغداد من الطائرة لا تعكس حقيقة نبض مدينة الرشيد الغافية على ضفاف دجلة. فوراء الهدوء الذي يلف سماء العاصمة العراقية، تضج المدينة وتموج بصخب لم تشهده منذ سنوات طويلة: إنها الحملة الانتخابية التي تنتهي ليل الجمعة، استعداداً للانتخابات التشريعية التي يكاد يجمع المتنافسون على اعتبارها"مفصلية"و"تاريخية". وجاراهم في ذلك مبعوث الأممالمتحدة الى العراق اد ميلكرت الذي وصف هذه الانتخابات بأنها"أهم لحظة في تاريخ العراق منذ عام 2003". وفيما يصل زخم الحملة الانتخابية إلى ذروته يوم الجمعة الذي يحتمل أن يُستغل بعض خطبه للدعاية الانتخابية، استعرّت حرب الاشاعات من احتمال عودة الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر إلى العراق، ثم الحديث عن تفعيل مذكرة لاعتقاله، إلى انسحاب مرشحين، وصولاً إلى نشر استطلاعات للرأي، معظمها غير علمي، تُرجح فوز قوى سياسية على حساب أخرى. وبغداد التي بدت"غابة"من الاعلانات الانتخابية، إذ تغطي اللافتات وصور المرشحين شوارعها ومحالها وكل ما يمكن استخدامه للترويج للمتنافسين، ستشهد"أم المعارك"الانتخابية، إذ يعتقد بأن نتائج الانتخابات فيها ستحدد إلى حد كبير هوية الفائز في عموم البلاد. وعلى رغم الأموال الطائلة التي أُنقفت في هذه الحملة الانتخابية، والتي قدر مراقبون حجمها بنحو بليون دولار، إلا أن تأثيرها لن يكون كبيراً لدى الناخبين لسببين أساسيين: أولاً حدة الاصطفافات الحزبية والسياسية والطائفية، وثانياً ضعف"الكتلة المتأرجحة"التي لم تحسم وجهة تصويتها بعد ويمكن استمالتها لهذا الطرف أو ذاك. فالاصطفافات باتت واضحة وشبه ثابتة، وهي شبيهة بتلك التي شهدتها الانتخابات التشريعة قبل أربعة أعوام، مع تطور جديد هذه المرة عبّر عنه أحد الخبراء بالقول إنه"صراع داخل الكتل المتجانسة". ويتجسد هذا"الصراع"بتفتت الكتل الشيعية والسنّية والكردية تنافس مكونات هذه الكتل في ما بينها. وعلى رغم ملاحظة حصول تطور في الوعي الانتخابي لدى العراقيين، إلا انه لم يرتق بعد الى مستوى يستطيع الناخب بمقتضاه التخلي عن بعض الاعتبارات، العشائرية والعائلية وغيرها، في اختيار المرشح الذي يتمتع بالمواصفات الأفضل ويستطيع تحقيق مصالحه. وما يساهم في إعاقة تطور هذا الوعي، غياب البرامج الواضحة لدى المتنافسين الذين يكتفي معظمهم بطرح شعارات تكاد تكون متطابقة، كالتغيير وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد ...الخ. وكالعادة يحذر كل المرشحين من التزوير والتدخل الخارجي، وخصوصاً صرف أموال طائلة. ويخفي هذا التحذير شعور بعض الأطراف بالخشية من خسارة الانتخابات، ما يتيح له لاحقاً الطعن بالنتائج بدعوى التزوير، مستشهداً بالتحذيرات التي أطلقها. إلا أن اللافت تحذير المرجعية الشيعية العليا في النجف الاربعاء من محاولات تزوير الانتخابات عبر استخدام أقلام تستطيع مسح الحبر عن أوراق التصويت، معربة عن قلقها من احتمال حصول ذلك. غير أن الثابت في موقف المرجعية هو البقاء على الحياد وعدم دعم أي جهة سياسية تخوض الانتخابات التشريعية، كما أكد المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني في 26 شباط فبراير الماضي. واللافت أيضاً أن قضية استبعاد بعض المرشحين، وخصوصاً صالح المطلك، شهدت تسوية، إذ وافقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على اختيار ابراهيم المطلك مرشحاً عن قائمة"الحركة الوطنية العراقية"بدلاً من زعيم"جبهة الحوار الوطني"صالح المطلك، على أن يأتي بالتسلسل الثاني في القائمة بعد اياد علاوي. كما ألغت"هيئة المساءلة والعدالة"قرار استبعاد حامد المطلك نائب الأمين العام ل"جبهة الحوار"عن محافظة الانبار. وكانت"هيئة المساءلة"أعلنت حظر المطلك وحزبه بناء على تفسير للمادة السابعة من الدستور التي تحظر حزب"البعث"أو الترويج له. وكان المطلك الذي أعلنت مفوضية الانتخابات استبعاده بناء على قرار من"هيئة المساءلة والعدالة"بتهمة الترويج لحزب"البعث"المحظور، فأعلن الخميس قرار مشاركة جبهته في الانتخابات. وفيما توقعت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبعثة الاممالمتحدة في العراق تأخر اعلان نتائج الانتخابات التي ستجري الأحد المقبل، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أنها لا تفكر في تأخير سحب القوات الأميركية من العراق. وكان علي الأديب القيادي في"حزب الدعوة الاسلامية"أبلغ"الحياة"بأن"العراق لا يقبل بتمديد بقاء القوات الأميركية في العراق"لأي سبب، موضحاً أن"الحكومة كانت حريصة على تضمين الاتفاق الأمني مع واشنطن بنداً يؤكد الالتزام بالجدول الزمني لسحب القوات وعدم إمكان تمديد بقائها". ولفت الى أن"التفجيرات الضخمة التي ضربت بغداد العام الماضي أدت الى زيادة شعبية رئيس الوزراء نوري المالكي، بعكس ما أراد الذين خططوا لهذه التفجيرات". نشر في العدد: 17136 ت.م: 05-03-2010 ص: 9 ط: الرياض