في إطار برنامج تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان، موّل الاتحاد الأوروبي في المملكة الأردنية مشروعاً تنموياً اجتماعياً بعنوان"مواطن في مدينتي". يهدف هذا المشروع إلى تعزيز الوعي حول أهمية تنمية الشعور بحقوق الإنسان وتطوير الديموقراطية عبر ورش عمل ونشاطات تطوعية تنمي روح المواطنة الصالحة والمسؤولية الاجتماعية والحوار الديموقراطي. لم ينتظر أطفال حي عكاظ في الأشرفية من أمانة عمان لتنظيف حيهم الذي يلعبون فيه، بل قاموا بتجميع أنفسهم لوضع حد للفوضى التي كانت تعم شارعهم المغلق حيث يتجمعون للعب يومياً. فعلى أطراف الشارع تتناثر بقايا وآثار مواد بناء وفي كل ركن تنتشر أكياس المهملات التي يلقي بها أهالي الحي. وبعد الانتهاء من تنظيف الشارع بمساعدة أمانة عمان عبَر الأطفال عن سعادتهم بالمشاركة في تنظيف شارعهم الذي هو جزء من بيئتهم والأهم بالنسبة للأطفال أنه المكان الوحيد الآمن الذي يلعبون فيه. مبادرة الأطفال الى تنظيف حي الأشرفية وهو أحد أحياء العاصمة الأردنيةعمان، لم تأتِ من فراغ فهي جزء من حملات النظافة التي أطلقها مشروع"مواطن في مدينتي"الذي لقي الدعم والتمويل الخاص من صندوق الاتحاد الأوروبي من أجل خلق وعي اجتماعي لدى المواطنين وخصوصاً الأطفال والشباب بضرورة الحفاظ على نظافة أحيائهم وتجميل مدنهم وذلك بزراعة الأشجار واستصلاح الحدائق وعمل رسوم جدارية. وفي أحياء مثل الأشرفية قليلة هي الحدائق العامة الموجودة وإن وجدت فهي غير مؤهلة وآمنة للعب، لذلك يقضي معظم الأطفال والشباب وقتهم على الأرصفة وفي الأزقة، وبدلاً من البقاء ساعات طويلة في الأزقة وتخريب الممتلكات العامة وافتعال المشاكل قام مشروع"مواطن في مدينتي"بتوفير وتقديم المساعدة لمنطقة الأشرفية حين أبدى مجموعة من أطفالها وشبابها الاهتمام بإعادة تأهيل إحدى الحدائق للعب بها. وحرص المشروع على أن يعمل الأطفال على تأهيل الحديقة بأنفسهم بمساعدة شباب الحي وذلك من أجل تعزيز روح الانتماء عندهم تجاه بيئتهم وتنمية حس المسؤولية لديهم بزراعة بعض الأشتال والرسم على جدران الحديقة بدلاً من التخريب. حملات النظافة واستصلاح الحدائق وزراعة الأشجار هي نشاطات تطوعية أطلقها مشروع"مواطن في مدينتي"الذي نفذته مؤسسة"تطور لإعداد وتدريب الشباب"وهي مؤسسة غير ربحية تهتم بتطوير المجتمعات المحلية وتنمية الشباب من أجل تشجيع المواطنين على المشاركة التطوعية لتطوير وتحسين مناطقهم والحفاظ على بيئتهم وتعزيز روح الانتماء. وتبين مديرة المؤسسة مريم أبو عدس ان"المشروع حقق عديداً من الإنجازات في المناطق المستهدفة بالمشروع والتي تشمل سحاب، الأشرفية، ووادي السير من خلال تنفيذ نشاطات مهمة تنموية وهادفة بالتعاون مع الشركاء المحليين". ومن أهم النشاطات التنموية التي اشتمل عليها المشروع تعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم من خلال تقديم الاستشارات والنصائح والتوجيهات، إذ أشارت ابو عدس وهي مديرة مشروع"مواطن في مدينتي"ايضاً، الى أنه"تم إنشاء مركز للمعلومات في جميع مواقع المشروع بحيث تكون مفتوحة ومجانية للجمهور"، مضيفة أن"كل مركز يعمل على تقديم النصائح والتوعية للمواطنين من قبل مستشارين قانونيين ومحامين وخدمات استشارية في مجالات حقوق المواطنين وواجباتهم". ولم يكن اختيار المناطق المشمولة بالمشروع بالصدفة اذ ان غالبية سكان هذه المناطق تعيش في"فقاقيع"ولا تعرف الكثير عن الواجبات والحقوق الاجتماعية، وينقصها الوعي الأسري والصحي والقانوني بحسب أبو عدس. ومن أجل رفع درجة الوعي لدى المواطنين في هذه المناطق تم تقديم محاضرات توعوية مختلفة تنوعت بين التوعية الأسرية، الشبابية، القانونية، والصحية من قبل مراكز متخصصة في كل مجال. وكجزء من حملة التوعية الصحية التي قام بها مشروع"مواطن في مدينتي"قدمت سلسة صيدليات"فارمسي ون"مبادراتها في مجال التوعية الصيدلانية لرفع درجة الوعي الصحي والدوائي لدى المجتمع المحلي. وتأتي هذه المبادرة بحسب مشرفة مركز"فارمسي ون"للتدريب والمعلومات الدوائية أروى الخطيب،"انطلاقاً من إيمان المؤسسة بأن التوعية الصحية من العوامل الأساسية لتنمية المجتمع". وقدمت الخطيب ندوات ومحاضرات صحية طوال مدة المشروع تناولت أمراض السكري والحساسية وضغط الدم والتغذية في رمضان والتعريف بمخاطر الإدمان والمخدرات أيضاً. ويعتمد اختيار موضوع الندوة الصحية بحسب الخطيب، على المنطقة وحاجات المواطنين فيها. ففي منطقة سحاب مثلاً، تشير الخطيب إلى"أننا تعمدنا إلقاء محاضرات عن المخدرات والحشيشة ومخاطرها لأنها كانت مشكلة موجودة ومتفشية بين الشباب في هذه المنطقة". ولا تنكر الخطيب أنها لاحظت من خلال الندوات الصحية التي قدمتها خلال المشروع أن هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة الشعبية لدى الناس بسبب عدم وجود التوعية الكافية لديهم وقلة الأطباء المتخصصين في هذه المناطق. المواطنون كانوا متعطشين لهذه المحاضرات الصحية والدوائية وخير دليل على ذلك المشاركة الفعالة ونسبة الحضور العالية لهذه الندوات التي تؤكد الخطيب أهميتها في توعية أكبر عدد من الناس من مختلف المناطق في مجال الصحة والدواء. المحاضرات التوعوية التي قدمها مشروع"مواطن في مدينتي"طيلة مدته لاقت تجاوباً كبيراً من قبل سكان مناطق المشروع وكان أكثرها محاضرات التوعية الأسرية التي شهدت إقبالاً لافتاً من اليوم الأول من السكان وخصوصاً من قبل السيدات اللواتي اعترفن بأن المحاضرات"فتحت عقولهن على أمور يجب الانتباه إليها مثل موضوع المراهقة والعنف والتحرش الجنسي". ففي احدى محاضرات التوعية الأسرية في منطقة سحاب التي تناولت موضوع العنف في شكل عام ضمن سلسة محاضرات"مواطن في مدينتي"، أسهبت الضابطة المحاضرة في الحديث عن موضوع العنف الجنسي وتطرقت إلى أسبابه وعلاماته وفي منتصف المحاضرة بدأت إحدى السيدات بالبكاء وواصلت البكاء بحرقة وكان بكاؤها يتصاعد كلما تعمقت الضابطة في التحدث عن تفاصيل التحرش الجنسي لأن السيدة فهمت خلال لحظات ما عجزت عن فهمه في الأشهر الماضية وهو تعرض ابنها الذي يبلغ من العمر 11 سنة للتحرش الجنسي في المدرسة من قبل طالب أكبر منه سناً. وتقول والدة الطفل أم يزن:"هذا ليس اسمي الحقيقي، ولكنني اخترت أن أغير اسمي باسم مستعار لأنني أريد حماية ابني من المجتمع، ولكنني في الوقت نفسه أريد تنبيه الأمهات إلى موضوع الإساءة الجنسية في المدارس والذي يحصل بين الطلاب"، لافتة إلى أن أكثر ما يغضبها هو عجز المدرسة عن كشف أن مثل هذه الأمورتحصل داخل مبانيها. ما حدث مع أم يزن هو أنها منذ فترة وجيزة بدأت تلاحظ تغيرات على ابنها فبدأ أداؤه في المدرسة يتراجع ويحاول التملص من الذهاب إلى المدرسة كلما سنحت له الفرصة، كما أن تصرفاته أصبحت عدوانية مع إخوته الأصغر منه سناً. وتضيف أم يزن:"في البداية اعتقدت أن ابني يمر بفترة بلوغ مبكر". لكنها أيقنت من خلال محاضرات التوعية الأسرية أن ابنها تعرض إلى تحرش جنسي. حال أم يزن كحال كثيرات من الأمهات التقليديات اللواتي ينقصهن الوعي التثقيفي الأسري بسبب غياب المعلومة والاستشارة ومثل هذه المحاضرات التوعوية والنشاطات التي قام بها مشروع"مواطن في مدينتي"تسهم في خلق وعي اجتماعي لدى أفراد المجتمع بدءاً من الأطفال والشباب ومروراً بالأمهات من أجل تعزيز مكانتهم وأدوراهم في المجتمع، وهذا له انعكاسات إيجابية على مواصلة المسيرة في خدمة المجتمع. يذكر أن الأردن بدأ الاستفادة من برنامج الأداة الأوروبية لتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان في عام 2005 وتلقت 34 منظمة دعماً مقداره 5,4 مليون يورو. أوروبا جارتنا مشروع إعلامي مشترك متعدد الوسائط بين"الحياة"وتلفزيون"ال بي سي"وصحيفة"لوريان لوجور"الناطقة بالفرنسية، يموله الاتحاد الاوروبي ويهدف إلى تسليط الضوء على مشاريع الاتحاد وبرامجه في منطقة حوض المتوسط عبر تقارير تلفزيونية ومقالات صحافية تنشرها"الحياة"اسبوعياً وتحمل علامة المشروع. المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد الاوروبي. للاطلاع زوروا موقع: www.eurojar.org نشر في العدد: 17153 ت.م: 2010-03-22 ص: 27 ط: الرياض