كثر الحديثُ أخيراً عن نظام الرهن العقاري في السعودية وعن قرب إعلان إقراره، وكان آخر تصريح مسؤول عن هذا الموضوع ما أدلى به وزير المال إبراهيم العساف خلال مشاركته في منتدى التنافسية الرابع، الذي عُقد في مدينة الرياض قبل أيام، وتوقع أن يُقر قانون الرهن العقاري خلال الربع الأول من السنة الحالية، مبيناً أن النظام أصبح في مجلس الوزراء للمناقشة. وتعليقاً على تصريحه أود أن أؤكد في البداية أن نظام الرهن العقاري هو الحل الأمثل والأشمل لمواجهة مشكلة الإسكان في المملكة، إذ سيُتيح في حالة إقراره - وفق الضوابط والشروط - للمواطنين فرصة تملّك العقار، ما جعل المواطنين يتطلعون إلى اليوم الذي يُقرّ فيه قانون الرهن العقاري، خصوصاً إذا علمنا أن نسبة تملك السعوديين للمساكن في المملكة هي الأدنى في دول الخليج. وعلى أقل تقدير فإن ما يفوق 60 في المئة من المواطنين ليس لديهم مساكن، ما يعني أن النتائج المترتبة على إقرار القانون ستكون إيجابية ومثمرة إذا طُبق في شكل مدروس ومتأنٍ. أما إقراره قبل تهيئة السوق العقارية، ومع دخول كمية طلب ضخمة لا يقابلها العرض المناسب، فسيتسبب في خلق مشكلة كبرى تتمثل أولاً في ارتفاع أسعار العقار، يليها تَكوّن فقاعة، كما حدث في سوق الأسهم، من حيث خلق كميات طلب كبيرة لا يقابلها عرض مناسب، وبالتالي سيُصبح العقار بعيداً من قدرة المواطن الشرائية وستتعقد مشكلته مع الإسكان، التي من المفترض أن يكون الهدف الأساس لنظام الرهن العقاري هو حلها وليس زيادة تعقيدها! وكي نتمكن من السيطرة على ارتفاع أسعار العقار، يجب بدايةً الإعلان عن مواد النظام التفصيلية وتحديد موعد معيّن لتطبيقه بعد مدة لا تقل عن سنة من موعد إعلانه، وخلال هذه المدة يجب العمل على رفع مستوى العرض بما يتناسب مع كمية الطلب، والتنسيق بين الأجهزة المعنية في الدولة لإدارة الطلب المتوقع لتحقيق الآتي: - تهيئة الأراضي من قبل البلديات في كل منطقة بأسعار معقولة للمستثمرين. - تشجيع المستثمرين على الاستثمار في بناء الوحدات السكنية في هذه الأراضي. - تقديم التمويل اللازم لها من قبل الحكومة. - العمل على إصدار التراخيص وإيصال الخدمات وتسهيل إجراءات الاستقدام وحل العوائق البيروقراطية. ويتطلب نجاح مشروع نظام الرهن العقاري في شكل حاسم وواضح بما يعود بالفائدة على المواطن والمستثمر، إجراء دراسة علمية ميدانية تستهدف تحديد حجم الطلب المتوقع للمساكن ونوعه وكميته، وكذلك التوزيع الجغرافي لهذه الطلبات وتحديد مستويات الدخل لدى الشرائح المستهدفة. مع العلم أن دراسة من هذا النوع لا يمكن أن تكون واقعية وصحيحة يُعتمد عليها إلا إذا وفّرت لها أجهزة الدولة المعلومات الحقيقية، من حيث مستويات الدخل والقدرة الائتمانية للأفراد المتوقع استفادتهم من القانون، وحجم الأراضي التي تم تخطيطها، وكذلك الأراضي التي لا تزال خاماً في كل منطقة، والمشاريع الإسكانية المصرّح لها وحجم العروض المتوافرة في السوق العقارية، ومدى قدرة البنية التحتية على استيعاب المشاريع المتوقعة، ليتمكن المستثمر بعد ذلك من اتخاذ القرار المناسب. فإذا أُقرّ القانون وتم العمل به في ظل الظروف الحالية التي تشهد ارتفاعاً في أسعار العقارات، فإن ذلك سيقضي على حلم المواطن في تملّك مسكن، ولن يجني من هذا النظام الفائدة التي كان يتوقعها ويتطلّع إليها، بل ربما كان النظام وبالاً عليه! نشر في العدد: 17109 ت.م: 06-02-2010 ص: 13 ط: الرياض