كثر الحديثُ في الآونة الأخيرة عن نظام الرهن العقاري وعن قرب إعلان إقراره، وكان آخر تصريح مسؤول عن هذا الموضوع هو ما أدلى به وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف خلال مشاركته في منتدى التنافسية الرابع الذي عُقد في مدينة الرياض قبل أيام، وقد توقع أن يتم إقرار قانون الرهن العقاري خلال الربع الأول من العام الحالي 2010، مبيناً أن النظام الآن هو محل المناقشة والمداولة في مجلس الوزراء. وتعليقاً على تصريحه أود أن أؤكد في البداية على أن نظام الرهن العقاري هو الحل الأمثل والأشمل لمواجهة مشكلة الإسكان في المملكة، إذ سيُتيح النظام في حالة إقراره - وفق الضوابط والشروط - للمواطنين فرصة تملّك العقار، وهو ما جعل المواطنين يتطلعون إلى اليوم الذي يتم فيه إقرار قانون الرهن العقاري، خصوصاً إذا ما علمنا أن المملكة تعد أقل دول الخليج في نسبة تملك مواطنيها للمساكن، وعلى أقل تقدير فإن ما يفوق 60 في المئة من المواطنين ليست لديهم مساكن، ولذلك فإن النتائج المترتبة على إقرار القانون ستكون إيجابية ومثمرة إذا ما طُبق بشكل مدروس ودونما اندفاع. لأنه في حال إقرار النظام قبل تهيئة السوق العقارية، ومع دخول كمية طلب ضخمة لا يقابلها العرض الملائم والمناسب لها، فإن ذلك سيتسبب في خلق مشكلة كبرى تتمثل أولاً في ارتفاع أسعار العقار، وسيتلوها لاحقاً تكوّن فقاعة، كما حدث في سوق الأسهم، من حيث خلق كميات طلب كبيرة لا يقابلها عرض مناسب، وبالتالي سيُصبح العقار بعيداً عن قدرة المواطن الشرائية وستتعقد مشكلته مع الإسكان، التي من المفترض أن يكون الهدف الأساسي لنظام الرهن العقاري هو حلها وليس زيادة تعقيدها! ولكي نتمكن من السيطرة على ارتفاع أسعار العقار، فإنه يجب بدايةً الإعلان عن مواد النظام التفصيلية وتحديد موعد معيّن لتطبيقه بعد مدة لا تقل عن سنة من موعد إعلانه، وخلال هذه المدة يجب العمل على رفع مستوى العرض بما يتناسب مع كمية الطلب، وأن يتم التنسيق بين الأجهزة المعنية في الدولة لإدارة الطلب المتوقع لتحقيق الآتي: أولاً: تهيئة الأراضي من قبل البلديات في كل منطقة بأسعار معقولة للمستثمرين. ثانياً: تشجيع المستثمرين على الاستثمار في بناء الوحدات السكنية في هذه الأراضي. ثالثاً: تقديم التمويل اللازم لهذه المشاريع من قبل الحكومة. رابعاً: العمل على إصدار التراخيص وإيصال الخدمات وتسهيل اجراءات الاستقدام وحل العوائق البيروقراطية. ولضمان نجاح مشروع نظام الرهن العقاري بما يعود بالفائدة والنفع على المواطن والمستثمر، فإن ذلك يستلزم ويتطلب بشكل حاسم وواضح إجراء دراسة علمية ميدانية تستهدف تحديد حجم ونوع وكمية الطلب المتوقع للمساكن، وكذلك التوزيع الجغرافي لهذه الطلبات وتحديد مستويات الدخل لدى الشرائح المستهدفة، وإن دراسة من هذا النوع لا يمكن أن تكون واقعية وصحيحة يُعتمد عليها إلا إذا وفّرت لها أجهزة الدولة المعلومات الحقيقية، من حيث مستويات الدخل والقدرة الائتمانية للأفراد المتوقع استفادتهم من القانون، وحجم الأراضي التي تم تخطيطها، وكذلك الأراضي التي لا تزال خاماً في كل منطقة، وكذلك المشاريع الإسكانية المصرّح لها وحجم العروض المتوافرة في السوق العقارية، ومدى قدرة البنية التحتية على استيعاب المشاريع المتوقعة، ليتمكن المستثمر بعد ذلك من اتخاذ القرار المناسب. إنني أعتقد أنه إذا أُقرّ القانون وتم العمل به في ظل الظروف الحالية التي تشهد ارتفاعاً في أسعار العقارات، فإن ذلك سيقضي على حلم المواطن في تملّك السكن، ولن يجني من هذا النظام الفائدة التي كان يتوقعها ويتطلّع إليها، بل ربما كان النظام وبالاً عليه! [email protected]