العالم العربي مقبل على العطش والجوع ما لم تتخذ خطوات سريعة وفعالة لمواجهة شح المياه. حتى لو تم استغلال كل الموارد المائية المتوافرة، فالدول العربية اليوم تحت خط الإجهاد المائي، وهي ستواجه سنة 2025 مرحلة"ندرة المياه الحادة"، أي أقل من 500 متر مكعب سنوياً للفرد، وفي دول كثيرة سينخفض الرقم إلى ما دون مئة متر مكعب، أي تحت خط العطش. هل من المقبول أن تستنزف المياه الجوفية حتى آخر قطرة؟ وهل من المعقول أن يكون مستوى استهلاك المياه للفرد الواحد في بعض البلدان العربية الأكثر شحاً بالمياه، من بين الأعلى في العالم؟ وما يزيد على 80 في المئة من معظم الإمدادات المائية المتوافرة في المنطقة العربية يستعمل في الري، غالباً بأساليب تؤدي إلى هدر نصف الكمية المستخدمة. إن النتيجة المؤسفة للسياسات غير المستدامة هي أن هذه البلدان فقدت العناصر الأساسية للأمن المائي. من الأمثلة المعبرة خصيصاً عن الصراع القائم بين التنمية الاقتصادية السريعة والموارد المائية النادرة، الازدهار في إنشاء ملاعب الغولف في أجزاء معينة من المنطقة. والواقع أن معظم ملاعب الغولف القائمة والمخططة هي في مصر ومنطقة الخليج، حيث الموارد المائية منخفضة فعلاً، حتى بالمقاييس الإقليمية. وتوسيع المشاريع المسرفة باستهلاك المياه، مثل ملاعب الغولف العشبية، لا يمكن أن يستمر من دون رقابة، خصوصاً مع ضآلة الاستثمارات المخصصة لتطوير تكنولوجيات لتحلية المياه المالحة بطريقة مستدامة. وفي معظم الحالات، تُسقى ملاعب الغولف في المنطقة بمياه البحر المحلاة أو بمياه الصرف الصحي المعالجة أو بمزيج منهما معاً. وتقدر حاجة كل ملعب غولف في المنطقة بما يصل إلى 1,3 مليون متر مكعب سنوياً، وهذا يكفي لتغطية استهلاك 15 ألف شخص من الماء. إن استعمال هذه الكمية من المياه في مشاريع ترفيهية في صحراء قاحلة يثير شكوكاً قوية حول إمكان استدامة التنمية وكيف يمكن أن يشكل ذلك تعدياً على الاحتياجات المائية للمجتمع المحلي وللأجيال المقبلة. فهذه رفاهية لن يكون من الممكن الاستمرار بها، إذ إن الأولوية في الموارد المائية المتاحة ستكون للاستخدام البشري وإنتاج الغذاء. الوضع الذي نواجهه شديد الوضوح: فحصة الفرد العربي من المياه تتضاءل بسبب الزيادة السكانية، والموارد المائية المتاحة نفسها تتضاءل أيضاً بسبب التلوث وتغير المناخ. والأنهار الرئيسية في العالم العربي، النيل ودجلة والفرات، تنبع من مصادر تقع خارج المنطقة. والأحواض المائية الجوفية الكبرى مشتركة. وفوق هذا كله، فالموارد المائية التقليدية المتوافرة معروفة ومحدودة ومستغلة كلياً تقريباً. الطلب على المياه، إذاً، يفوق المعروض منها. وسيزداد الوضع حدّة في المستقبل. إن اعتماد برامج لزيادة كفاءة استخدام المياه والحد من تلويثها خطوة ضرورية، لكنها لا تكفي، إذ ستبقى الحاجة في معظم الدول أكثر مما توفره المصادر التقليدية، حتى لو استخدمت كلها بكفاءة. المطلوب سريعاً تطوير تكنولوجيات لتحلية المياه المالحة تتوافق مع طبيعة المنطقة العربية، وتوطين تصنيع المعدات اللازمة لها، وادخال الطاقة الشمسية على نطاق واسع في عمليات تحلية مياه البحر والمياه الجوفية المتملحة. ومن الضروري اعتماد برامج لمعالجة مياه الصرف الصحي والمياه الصناعية، وإعادة استخدامها حيث هناك حاجة إليها، فلا تهدر نقطة في البحر. ولنتمثل باليابان، حيث يعاد استخدام المياه المعالجة عشر مرات قبل التخلص مما يبقى منها. وعلى الدول العربية المباشرة سريعاً ببرامج لجمع مياه المطر، إن في بحيرات جبلية أو من على سطوح البيوت. وفي مجال ترشيد الزراعة، على الدول العربية حساب كفاءة الإنتاج الغذائي وفق ما يوفره كل متر مكعب من المياه لا ما يوفره كل هكتار من الأراضي. هذه المواضيع وغيرها يطرحها التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، الذي بدأت مجموعة من كبار الخبراء إعداده. لا حل إلا باعتماد إدارة أكثر فعالية لمورد المياه المحدود، لئلا يدهمنا العطش والجوع. ناشر ورئيس تحرير مجلة"البيئة والتنمية"