لم يكن يعلم الأسير إبراهيم جبر عندما كان عمره أربعة عشر عاماً، أن تلك الشهور الستة التي أمضاها في الاعتقال الإداري لدى العدو، لن تكون سوى بداية الالتزام الوثيق بتلك السجون ذات الجدران الباردة والهواء المتعفن. ولم يكن يعلم أيضاً أن القدر خبأ له من الآلام ما لا تطيقه الجبال، إلا انه كان لها فعلاً لا قولاً. هي أوجاع الوطن إذاً، وهي حكاية تلك القلوب التي اعتصرت حباً وهياماً بأرض وحق اغتصب منها عنوة، فشكلت من أجسادها طريقاً ممهدة حيث النصر والعزة، ومن الدماء صنعت المعجزات، فحولت الآهات نشيداً تحدو به الحناجر كلما أطربها الهوى والعشق وكلما ذرفت دمعة حرة من مقلة أم ثكلى أو من زوجة عانت الفقدان والوحدة. إبراهيم جبر، ذاك الأسير المغوار صاحب البطولات والجولات وصاحب الآمال والأحلام، وهو الذي سيقارع عدوه وسيداوم في حربه حتى يستمر الآخر في اعتقاله وأسره، فكيف لبطل صنديد يقف مكتوفاً من دون حراك؟! حمل روحه بين كفيه وهو يقاتل بعنفوان اجتياح جنود العدو لمدينة جنين فيتحول إلى قائد لا يشق له غبار، وها هو يغيظ العدو بصلابته وجرأته حتى يقرر ان يصادر حريته ويغيبه وراء القضبان. وتأبى المحن إلا أن تزور المغوار الأسير إبراهيم جبر، وهذه المرة في درة قلبه ونور عينه مصعب، ذاك الفتى الذي طالما كان الأقرب الى أبيه، ولطالما حلم بتقليده، إلى أن شابهه في كل شيء حتى في مقارعة العدو، فنال ما كان يحلم به: الشهادة، حلم الثابتين المجاهدين، وعشق الصابرين المغوارين. لقد أبى مصعب إلا أن يكون منهم. جلنار فهيم - بريد الكتروني