قبيل نحو أسبوعين من إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، تتزايد المخاوف من حدوث اضطرابات في شطري البلاد وحصول استقطاب سياسي حاد في الساحة السودانية في حال انفصال الجنوب. وبينما تمسكت واشنطن بإجراء الاستفتاء في موعده"بشكل سلمي"، تصاعدت المواجهات العسكرية في دارفور بين القوات الحكومية والمتمردين ما أوقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح من الطرفين. واعتبر مسؤول الإعلام في مفوضية استفتاء جنوب السودان جورج ماكير أن المفوضية أنهت الجزء الأصعب من عملية الاستفتاء وهي عملية التسجيل، ودخلت في مرحلة الطعون من دون أية مشاكل كبيرة. وقال ماكير إن ما تبقى من العملية يتوقف نجاحه على الدور الذي ستلعبه القوى السياسية المختلفة في تعبئة مناصريها بالخيار الذي تريده بحسب قانون الاستفتاء، وسط تزايد حال التعبئة في الجنوب لاستقلال الإقليم. وحذر زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي من إنه إذا لم تحل المشاكل العالقة بين الشمال والجنوب فيمكن أن تندلع حرب تكلف البلاد ثلاثة أضعاف إيرادات النفط منذ عام 1999. وأعرب في احتفال نظمته أسرته أمس عن حزنه لقرب انفصال إقليم جنوب البلاد، وقال إنه سيدعو إلى حملة تعبئة لمخاطبة كل الأوساط وخصوصاً الجنوبيين للتركيز على الوحدة بالمعروف أو الانفصال بإحسان. وأضاف المهدي أن كل الدلائل تدل على أن الحركة الشعبية تدرك حجم المشاكل التي ستواجه دولة الجنوب الجديدة لذلك اتخذت مواقف حكيمة، لكنه انتقد قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقال إنها تنبذ الآخر الشمالي وترفع شعارات إقصائية للآخر باسم الإسلام والعروبة بالصورة ذاتها التي أفرزت مطلب تقرير مصير الجنوب، محذراً من أن ذلك سيعزز مطالب مماثلة في ما بقي من الشمال، كما سيكون للانفصال تبعات خطيرة في الجنوب. ورأى بعد انهيار اتفاق أبوجا لسلام دارفور الذي وقعته الخرطوم مع"حركة تحرير السودان ? فصيل مني اركو مناوي"أن كل المعطيات تدل على أن حركات دارفور تستعد عبر اجتماعاتها في القاهرة وطرابلس، وجوبا ولندن، لتوحيد هدفها ووسائلها انطلاقاً من أن الاتفاق مع نظام الخرطوم غير مجد، وحتى إذا أبرم لن ينفذ، مبيناً أنها ستكون أكثر تشدداً بعد انفصال الجنوب. كما أن حزب المؤتمر الوطني صار أكثر تشدداً في موقفه الانفرادي، لافتاً الى أن التشدد المتبادل سيتبعه تشدد الأسرة الدولية مع الحزب الحاكم بعد استفتاء الجنوب ما يزيد مشاكل السلام والاستقرار في الشمال. أما الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي فقال إن الجنوب إذا استقل فستواجهه قضايا شائكة، وعزا ذلك إلى كون الجنوب مؤلفاً من قبائل والحكومة هناك عسكرية ولا توجد لديها مناهج للتنمية وتجاوز عصبية القبائل، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتدنية، مشيراً إلى أنه إذا كان أيد حق تقرير المصير لجنوب السودان بسبب التباينات التي فيه، فانه لا يؤيد ذلك أو الانفصال بالنسبة لدارفور أو شرق البلاد. وفي السياق ذاته صعدت الولاياتالمتحدة ضغوطها على الحكومة السودانية وحضتها على إجراء استفتاء مصير جنوب السودان في الموعد المحدد له في التاسع من كانون الثاني يناير المقبل وفي ظل ما وصفتها بأجواء سلام. وذكر البيت الأبيض في بيان أن هذه الدعوة جاءت خلال اتصال هاتفي أجراه نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ليل الجمعة مع نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه. وذكر البيت الأبيض في بيان أن بايدن أكد خلال محادثته الهاتفية مع طه التزام الولاياتالمتحدة بإجراء الاستفتاء في وقته المحدد كما"شدد على أهمية الالتزام السوداني بدفع المسار التفاوضي في ما يتعلق بالنقاط العالقة في اتفاق السلام الشامل وقضايا ما بعد الاستفتاء". وأضاف أن بايدن أعرب عن قلقه إزاء إمكان تورط جهات مسلحة أثناء الاستفتاء. وأشار الى اتفاق الجانبين على أن إقامة علاقة إيجابية بين شمال السودان وجنوبه، بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء، يعد أمراً في غاية الأهمية لجميع أبناء الشعب السوداني بالإضافة الى إرساء الاستقرار الإقليمي والعلاقة بين الولاياتالمتحدة والسودان". وكان الرئيس باراك أوباما أبلغ رئيس حكومة جنوب السودان سَلفاكير ميارديت في اتصال هاتفي تمسّك واشنطن بأن يجري الاستفتاء بهدوء وفي موعده المحدّد. وقال بيان البيت الأبيض إنّ أوباما حثّ سلفاكير على التعاون الكامل مع حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير لحلّ المسائل العالقة، كما طلب اتّخاذ إجراءات لمنع حدوث أيّ أعمال عنف. وفي الخرطوم شارك أول من أمس عشرات السودانيين يتقدمهم أعضاء"الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة"في مسيرة جابت عدداً من شوارع العاصمة الخرطوم، لرفض استفتاء الجنوب والاعتراض على وجود الحركة الشعبية بالشمال في حال انفصال الجنوب المتوقع. وأصدرت الرابطة فتوى بحرمة الاستفتاء وبطلان اتفاقية السلام"لأنها تعمل على تمزيق السودان بعدما تأسست على مبادئ الإيغاد الباطلة". واعتبرت أن الاستفتاء على حق تقرير مصير الجنوب"من أعظم المخالفات الشرعية لأصل الدين وقاعدته لبلد يمثل المسلمون أكثر من نصفه"، واعتبرت أن فصل الجنوب"حرام شرعاً لأنه سيغلق بوابة المسلمين الجنوبية على أفريقيا الغارقة في ظلمات الوثنية والشرك". ودعت الرابطة الحكومة إلى إصلاح ما أفسده اتفاق السلام الذي وصفته بالمشؤوم"لأن حكمها غير لازم"، مؤكدة أن"ما تعهدت به الحكومة لأميركا والغرب بقبول نتيجة الاستفتاء المعلوم سلفاً ساقط شرعاً وغير ملزم للمسلمين". من جانبه، قال عضو الرابطة محمد عبد الكريم إن رابطته تعضد مسعى الرئيس عمر البشير لجعل الشريعة الإسلامية دستوراً حاكماً للبلاد من دون الاعتراف بأي ثقافات أخرى. الى ذلك، قال الجيش السوداني انه هاجم مساء الجمعة، تحالفاً لمقاتلي متمردي دارفور في منطقة شنقلي طوباي في ولاية شمال دارفور، وقتل نحو 40 منهم بينهم قائد ميداني بارز، وأبعد المتمردين من المنطقة بعد يوم من سيطرتهم عليها. وقال الناطق باسم الجيش، المقدم الصوارمي خالد سعد، في بيان، إن القوات الحكومية"كبدت قوات تحالف المتمردين المؤلف من حركتي"العدل والمساواة"بزعامة خليل ابراهيم و"تحرير السودان"برئاسة مني اركو مناوي كبدهم خسائر فادحة، ودمرت عدداً كبيراً من آلياتهم العسكرية واستولت على معداتهم في معركة جرت في منطقة شنقلي طوباي وطردهم من المنطقة. وأضاف الصوارمي، إن الجيش فقد 2 من جنوده كما أصيب 13 آخرين، واعتبر المعركة أول تجربة لتحالف التمرد الذي انطلق مؤخراً ودخل منطقة شنقلي طوباي من جنوب السودان"وما زالت قواعده متمركزة في مدينة بورى في ولاية بحر الغزال الجنوبية"، مشيراً الى أن الجيش يسيطر على الأوضاع في ولايات دارفور الثلاث. وكان متمردو دارفور قالوا الخميس انهم استولوا على منطقة شنقلي طوباي بعد معركة مع الجيش وأسروا عدداً من جنوده واستولوا على نحو 27 سيارة عسكرية. وتحدث المسؤول في تحالف متمردي دارفور علي الوافي عن معركة جديدة في منطقة فنجار بين مدينتي شنقل طوباي ودار السلام على بعد 75 كلم جنوب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، موضحاً أن قواتهم تمكنت من إجبار الجيش على الفرار بعد أن كبدته خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات وغنمت 19 سيارة بكامل سلاحها بعد أن دمرت عدداً أكبر من ذلك، مشيراً الى أن مقاتليهم طاردوا القوات الحكومية إلى مشارف مدينة الفاشر. وأعربت البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور"يوناميد"عن عميق قلقها من المعارك الأخيرة، وحذرت من أنها لا تشكل خطراً فقط على حياة المدنيين الأبرياء، وإنما تعطل أيضاً عملية السلام. ولفتت الى أن المواجهات أدت الى نزوح 18 ألف شخص الى خور ابيشي و14 ألفاً الى شنقلي طوباية. من جهة أخرى، قتل ضابط في الجيش السوداني ومدرب روسي اثر سقوط طائرة تدريب عسكرية غربي مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر في شرق السودان. إلى ذلك، يتوجه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى السودان الثلثاء المقبل في زيارة رسمية تشمل الخرطوم ودارفور ويلتقي خلالها الرئيس السوداني عمر البشير ووزير الخارجية على كرتي وعدداً من القيادات الدارفورية والجنوبية في إطار التنسيق من أجل إنجاح الاستفتاء على مصير الجنوب وتطورات الأوضاع في السودان والجهود الجارية لحل القضايا العلاقة أمام شريكي السلام والعمل لإنجاح محادثات السلام في الدوحة. ويبحث موسى مع المسؤولين دور الجامعة في معالجة الأوضاع الإنسانية في دارفور وتحويل مسار المساعدات الاتحادية من مرحلة الإغاثة العاجلة إلى الإنعاش، ودور الصناديق العربية والغرف التجارية والمنظمات غير الحكومية العربية في المشاركة الإيجابية في المؤتمر للمساهمة في مجال إعادة الإنعاش الاقتصادي والإعمار والتنمية والحد من الفقر .