بين الأسماء الإعلامية المعروفة في الولاياتالمتحدة، اختفى اسم هيلين توماس، عميدة صحافيي البيت الأبيض لأكثر من نصف قرن، إضافة الى اسم اوكتافيا نصر، محللة اخبار الشرق الأوسط في القناة الفضائية"سي أن أن". والصدفة وحدها قضت بأن تكون الصحافيتان من منطقة شمال لبنان. ذلك ان هيلين توماس، ابنة جورج انطونيوس من طرابلس، بدأت مهنة البحث عن المتاعب بتغطية حملة جون كينيدي مطلع ستينات القرن الماضي. وفي عام 1961، احتلت مكانها في الصف الأمامي داخل قاعة الصحافة في البيت الأبيض التي تضم 49 صحافياً وصحافية. وظلت تتمتع بهذا الامتياز المحصن الى ان حُرمت منه عندما تجرأت وانتقدت سياسة إسرائيل، مع العلم أنها كانت مصممة على إعلان إنهاء مهمتها لأنها بلغت التسعين من عمر غني بالإنجازات. وهي فخورة لأنها تركت للقراء خمسة كتب آخرها بعنوان"اسمع ايها الرئيس". واعتادت هيلين كلما حلت في نيويورك، ان تتردد على المطاعم اللبنانية التي تختار من وجباتها الحمص والكفتة والتبولة وكل ما يذكرها بالوطن الغالي. ومنذ اكتشفت مطعم"قوليلي"- ويُكتب بالإنكليزية olili - حرصت هيلين على تناول وجبات الغداء فيه برفقة بعض انسبائها ومرافقيها الأربعة. ويملك مطعم"قوليلي"في محلة مانهاتن في مدينة نيويورك، الأخوان ألكسندر وفيليب مسعود، وهما نجلا جورج مسعود مؤسس فندق"كورال بيتش"في منطقة"الجناح"غرب بيروت. زوجة ألكسندر مسعود صحافية محترفة هي عدلا كريمة رجل الأعمال اللبناني ادمون مكرزل وشقيقة الرسام المعروف رومانوس مكرزل. ومارست عدلا الصحافة كمراسلة مستقلة لعدد من المجلات والصحف الفرنسية والإنكليزية. وفي لقائها الأخير مع هيلين توماس نشرت مجلة"أل"Elle نص الحديث. كتبت عدلا تقول:"بدأت أسئلتي بالاستيضاح عن حقيقة ما ذكرته الصحف الأميركية على لسان توماس، من ان جورج بوش الابن هو أسوأ رئيس جمهورية عرفته الولاياتالمتحدة". وهزت هيلين رأسها بالموافقة وأجابت بتأكيد: أجل... إنه أسوأ رئيس! وفي سؤال عن الرئيس الحالي باراك أوباما قالت هيلين:"ان نياته طيبة. ولكنه يفتقد الجرأة لتنفيذ مشاريعه وتثبيت قناعاته السياسية". وحول ما اذا كان يملك الجرأة في قضية الشرق الأوسط، أوضحت:"في هذا المجال يفتقد اوباما الشجاعة لأن يصارح الإسرائيليين ويقول لهم: اخرجوا من أرض فلسطين، وتوقفوا عن ضم المستوطنات ومصادرة مياه الضفة الغربية". وتذكرت هيلين أول سؤال طرحته على الرئيس أوباما فور دخوله قاعة الصحافة في البيت الأبيض وكان:"هل تعرف يا حضرة الرئيس بلداً في الشرق الأوسط يملك السلاح النووي؟". وادعى الرئيس انه لا يحب الافتراض أو التكهن، متحاشياً إعطاء اي جواب صريح. ولكن هيلين واصلت تكرار السؤال في اللقاءات الدورية، كأنها مصرة على إحراجه وتأنيب ضميره. وعن دور الصحافة في تنوير الرأي العام وإطلاعه على حقائق الأمور أشارت هيلين الى انها غطت عشر حقب لعشرة رؤساء، وفي كل مرة كانت تكتشف ان رئيس الجمهورية يبدأ عهده بكثير من الشفافية والمصارحة، ثم ما يلبث ان يتراجع ويعزل نفسه. وخلصت في اختباراتها الى الاستنتاج انه بقدر ما يعتقد الرئيس ان الصحافة هي خصمه... بقدر ما يضرب حول نفسه سياجاً من السرية والكتمان. وعما جعلها تختار مهنة البحث عن المتاعب، أجابت باختصار شديد:"الفضول وحب معايشة التاريخ. ذلك ان الصحافة هي بالفعل دروس يومية، يتعلمها المرء كل يوم". وقادها هذا السؤال الى البحث عن تاريخ هجرة والدها الذي كان السابع لعائلة تتألف من تسعة أطفال. وقد غادر مدينة طرابلس عام 1890 وفي جيبه 17 دولاراً فقط. يومها لم يكن"لبنان الكبير"نشأ بعد. وتوجه الى مدينة لاكسينغتون كانتاكي حيث أعانه بعض الأنسباء على ايجاد عمل كبائع متجول ينقل الى المنازل الحاجات اليومية. تقول هيلين انها ولدت عام 1920 في ديترويت، بعدما انتقلت العائلة الى المدينة الصناعية الأولى في اميركا. ولما نالت شهادة الثانوية وتهيأت لدخول الكلية اختارت هيلين الصحافة لأنها المهنة الوحيدة التي ترضي حشريتها وحبها لتقصي الحقائق. وفي عام 1943 انتقلت الى العاصمة واشنطن حيث التحقت بمكتب وكالة الأخبار"يونايتد برس". مطلع الستينات أرسلتها الوكالة الى فلوريدا لتغطية أخبار المرشح جون كينيدي. وفتحت هذه الفرصة أمامها أبواب الحظ، خصوصاً بعدما فاز كينيدي بالرئاسة وأصبحت زوجته جاكلين هي الشغل الشاغل للمجتع الأميركي. قبل ان تغادر البيت الأبيض قدم الرئيس أوباما الى هيلين توماس كعكة لمناسبة عيد ميلادها ال89 وألقى كلمة امتدح فيها جهد الصحافية التي رافقت الأحداث منذ عام 1943. واليوم، يفتقد الصحافيون في البيت الأبيض الأسئلة الصعبة التي كانت تطرحها هيلين، كما يفتقدون حضورها الطاغي وشخصيتها المميزة التي نزلت في دفاتر عشر إدارات كأفضل مراسلة!