قبل ان يقوم الرئيس الأميركي باراك اوباما بجولته الآسيوية، كتب في صحيفة"نيويورك تايمز"مقالة تحت عنوان: تصدير منتجاتنا هو الطريق الى الاستقرار الداخلي. وأوحى الرئيس المهزوم في الانتخابات النصفية، بأن الجمهوريين وأنصار"حزب الشاي"لم يقدروا اصلاحاته الاقتصادية والصحية، الأمر الذي اساء الى رسالته السياسية. واعترف اوباما بالخلل الذي اصاب البلاد بسبب الركود الاقتصادي وانشغاله في ترميم الأوضاع الخارجية وازدياد طوابير العاطلين من العمل. ومن اجل معالجة هذه الانتكاسات، وعد المواطنين بمضاعفة الصادرات الأميركية الى الدول الآسيوية، معتبراً ان العقود التجارية المتوقعة ستنعش سوق العمل والوظائف. خصوصاً ان البلدان التي يزورها تضم ثلاثة من اضخم خمس اقتصادات عالمية. كما تضم ايضاً اربع ديموقراطيات آسيوية هي: الهندواليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. والملفت ان اوباما حظي في مطلع ولايته بتأييد كبير من الدول الآسيوية. وبعد مرور سنة على بلوغه السلطة، تردت شعبيته في الصينوالهند وإندونيسيا جراء انشغاله عن آسيا بملف الشرق الأوسط والحرب في العراق وأفغانستان. ويبدو ان الرئيس الأميركي لم يتقن فن التعامل مع الأضداد بدليل انه اغضب الصينوالهند معاً. لذلك اتهمته نيودلهي بمسايرة بكين لأنه رفض استقبال الدالاي لاما عند زيارته واشنطن، اضافة الى تغاضيه عن قضايا حقوق الإنسان في الصين، الأمر الذي اغضب الهند وسنغافورة. ومع ترجيح كفة الصين، عقب الأزمة الاقتصادية العالمية، راحت بكين تطالب بالسيطرة على اجزاء كبرى من المحيط، وتستميل دولاً اسيوية من طريق زيادة مساعداتها المالية السخية. يجمع المعلقون على القول ان جولة اوباما الآسيوية جاءت للتعويض عن انتكاسته في الانتخابات النصفية، خصوصاً ان حملة التغيير التي وعد بتحقيقها لم تنتج الإصلاحات المرجوة. علماً أن التغيير الذي احدثه لم يرض حتى مستشاريه الذين استقالوا احتجاجاً على نهجه، من امثال: رام ايمانويل رئيس اركان البيت الأبيض وجيمس جونز مستشار الأمن القومي ولورانس سامرز كبير المستشارين الاقتصاديين. وجاءت هذه الاستقالات في ظل انكماش اقتصادي لم تشهده الولاياتالمتحدة منذ الثلاثينات بحيث وصلت نسبة البطالة الى اكثر من عشرة في المئة. في خطاب الهزيمة الذي القاه اوباما عقب صدور النتائج، اصر الرئيس على صوابية قراراته، وهاجم الناخبين لأنهم لم يفهموا نهجه. ومع انه تضايق من حملات التشكيك بوطنيته، إلا أنه احتفظ بهدوئه ولم يرد على منتقديه. ويستدل من مراجعة تلك الحملات الظالمة أن"حزب الشاي"أطلق أسوأها. فقد وصفه ب"المسلم المتخفي"و"الشيوعي"المتطرف الذي يسعى الى زعزعة النظام السياسي ? الاجتماعي وتحطيم المؤسسات الأخلاقية. وتركزت تلك الحملات على شعار موحد خلاصته: نحن نكافح من أجل انقاذ البيت الأبيض من الغازي الأجنبي باراك حسين أوباما. يشهد تاريخ الولاياتالمتحدة أن السياسة الخارجية كانت دائماً ملجأ الرؤساء الذين تعرضوا للهزائم خلال انتخابات منتصف الولاية. وهذا ما فعله أوباما عندما اضطرته الظروف الداخلية الى الاستنجاد بالخارج لترميم ولايته المنهارة. وكان من الطبيعي أن يستغل نتانياهو ومحمود عباس هذه الفرصة لتحسين شروطهما من طريق وقف المحادثات المباشرة لأسباب مختلفة. فالأول استأنف خطة بناء 1300 وحدة سكنية في القدسالشرقية. والثاني طالب بعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن من أجل البحث في موضوع الاستيطان. وفي تقدير الوزير الإسرائيلي ايهود باراك، فإن أوباما سيعمل بكل قوته خلال صيف 2011 على اقامة دولة فلسطينية على رغم الثمن السياسي الباهظ الذي سيدفعه. أي الثمن المتمثل بمنعه من تجديد ولايته. في تحليل نشره كبير المنظّرين السياسيين في اميركا ديفيد برودر، قدم خياراً آخر انتقاه نتانياهو وعرضه على نائب الرئيس جو بايدن اثناء لقائهما في واشنطن هذا الأسبوع. ويقول برودر الذي غطى كل الحملات الانتخابية لمدة نصف قرن ان الحرب كانت المنفذ الوحيد امام فرنكلن روزفلت، لإخراج بلاده من مخاطر تداعيات ازمة مطلع الثلاثينات. ذلك انه اكتشف مع وزير ماليته اليهودي مورغانتو، ان تأثير البيت الأبيض يظل هامشياً بالنسبة الى حجم الأعمال التجارية. ولكن سرعان ما تبين قوة الحرب في دفع عجلة الاقتصاد الأميركي. وكان ذلك خلال انخراطه في الحرب العالمية الثانية. والاستنتاج الذي يطرحه المحلل برودر من وراء مقارنة ازمة 1930 بأزمة 2009، هو ضرورة اللجوء الى الحرب من اجل كسب تأييد الجمهوريين والديموقراطيين، وتحفيز الاقتصاد الأميركي المتعثر. لذلك اعاد الى الأذهان في مقالته التي نشرت في صحيفة"واشنطن بوست"عبارة نتانياهو يوم التقى اوباما للمرة الأولى: ان التاريخ سيحكم عليك بحسب نجاحك في صد التهديد الإيراني! ويتردد في واشنطن ان نتانياهو كرر هذه العبارة امام جو بايدن في سياق حديثه عن صفقة مقايضة: تفكيك المستوطنات في الضفة الغربية لإقامة دولة فلسطينية مقابل احباط التهديد الإيراني! نائب الرئيس الأميركي رفض هذه الصفقة بحجة ان سياسة اميركا الخارجية تعتمد على مبدأ الانسحاب من العراق وأفغانستان، وأنها ترفض التورط في حرب جديدة ضد ايران، وأبلغه ان طهران اعلنت استعدادها لمواصلة المفاوضات حول الملف النووي مع الدول الست الكبرى، ولكنها لم تحدد مكان الاجتماع ولا زمانه. وزير خارجية ايران منوشهر متقي اعاد الى الأذهان ما قاله اوباما في القاهرة عندما اعترف بحق ايران في تطوير برنامج ذري لاحتياجات سلمية، شرط الحفاظ على شروط ميثاق منع انتشار السلاح الذري. نتانياهو من جهته لم يعارض فكرة المحادثات المباشرة بين ادارة اوباما وإيران من اجل استنفاد كل الوسائل الممكنة قبل الوصول الى المواجهة. وطلب"اللوبي اليهودي"اجراء تنسيق بين تل ابيب وواشنطن لئلا تتجه المحادثات الى حل يهدد امن اسرائيل ومصالحها الحيوية في المنطقة. السنة الماضية اعلنت وزيرة الخارجية كلينتون ان بلادها ستمنح اسرائيل مظلة صاروخية ونووية تحميها من اي هجوم نووي. واعتبرت حكومة نتانياهو ان التطمينات هي مجرد اعتراف بعجز واشنطن عن ردع ايران او وقف مشروع تخصيب اليورانيوم. كما اعتُبرت ايضاً في نظر دول الخليج، استبعاداً لأي خطر نووي يدفعها للانضمام الى سباق التسلح الذري. يقول المراقبون ان ايران قد تكسب الكثير من وراء المحادثات المباشرة مع الولاياتالمتحدة: أولاً ? تعزز مكانتها الإقليمية، خصوصاً اذا التزمت واشنطن عدم مخاصمة نظام الملالي، كما اشترط علي خامنئي. ثانياً ? التعهد برفع العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي يريح النظام داخلياً، ويسمح للدولة باستكمال خطة البنية التحتية لصناعة النفط. وهي الخطة التي جرى التفاوض عليها مع الدول الأوروبية بهدف تخفيف حدة التوتر مع الولاياتالمتحدة وإخراج ايران من عزلتها الدولية. ثالثاً ? تستثمر ايران فترة المحادثات من اجل تحقيق هدفها الاستراتيجي القاضي بإنتاج السلاح النووي. وقد ايد هذا الهدف المتشددون والإصلاحيون بحيث ان النظام تحرر من الضغوط الداخلية التي كانت ترهقه. التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يتحدث عن الإيقاع السريع الذي تستغله ايران ليمكنها من الاستمرار في انتاج 25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب تعد كافية لإنتاج قنبلة ذرية اولى. وقد اعترف محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن ايران تسعى حقاً الى احراز تقنية تمكنها من تطوير سلاح ذري. وفي تقديره ان طهران بلغت الإنجاز المطلوب قبل منتصف هذه السنة، أي قبل الفترة المحددة بسنتين. ويرى الخبراء ان عام 2011 سيكون سنة اعلان انتاج اول قنبلة. بينما يقول آخرون انها ستفاوض على بلوغ قدرتها النووية، ولكنها ? مثل اليابان ? ستبقيها رهن التفاوض على حجم نفوذها الإقليمي. الجواب الذي تركه نتانياهو في واشنطن، يتعلق بالسؤال المرتبط بمستقبل اوباما، وما اذا كان يرغب في تجديد ولايته، ام انه سيلقى على قارعة التاريخ كرئيس فاشل في تحقيق سلام الشرق الأوسط... وفاشل في انقاذ بلاده من ازمتها المالية الخانقة ... وفاشل في منع ايران من الحصول على القنبلة النووية! في كتابه الأخير وعنوانه"حروب اوباما"، اشار الصحافي الأميركي المعروف بوب وودوارد، الى ازدياد تسلط المؤسسة العسكرية على السلطات المدنية. وذكر وقائع عدة تثبت تلطيخ سمعة السياسيين وتنظيف سمعة العسكريين. وقال ان زيادة التورط في افغانستان لم تكن قراراً معزولاً عن الجنرال ديفيد بترايوس الذي يتولى الشأن الأفغاني. تماماً مثلما كان القرار العسكري الذي اتخذه قائد الأركان السابق كولن باول حاسماً في معركة اخراج صدام حسين من الكويت عام 1992. وجاء القرار في حينه للحفاظ على المصالح النفطية في منطقة الخليج. ومثل هذا القرار قد يتعرض للنقاش بين اوباما بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وبين قيادة الأركان التي تضم جنرالات عدة: هل يسمح لإسرائيل بأن تتفرد بضرب المفاعل النووي الإيراني، مثلما فعلت مع المفاعل العراقي، ام ان الولاياتالمتحدة ستمنعها؟ المعضلة التي تواجهها اسرائيل حول هذا الموضوع الشائك، هي انها مضطرة الى اخذ موافقة واشنطن قبل الإقدام على هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر. والسبب ان منطقة الخليج تعتبر من المناطق الأكثر اهمية بالنسبة الى الولاياتالمتحدة، كونها تختزن اكثر من ستين في المئة من مصالحها الحيوية ومصالح اوروبا أيضاً. ومعنى هذا ان اسرائيل ستسعى الى اقناع الرئيس اوباما بالقيام بعمل مشترك ضد ايران، علماً أنه رفض هذا الاقتراح مرتين. وفي هذا السياق، اعاد نتانياهو السؤال المحرج على نائب الرئيس، مذكراً ان اوباما وعده بمنع ايران من امتلاك السلاح النووي. وأخبره اثناء لقائهما الأول ان العقوبات الاقتصادية سترغم طهران على مراجعة استراتيجيتها. ويبدو ان عامل الزمن بدأ يضغط على الرئيس الأميركي في حال اعلنت ايران عن انتاج قنبلتها النووية خلال الصيف المقبل. والجواب على هذا السؤال المحير قد يعلنه العسكريون الذين ازداد نفوذهم عقب اخفاق اوباما في الانتخابات النصفية، خصوصاً ان"اللوبي اليهودي"بدأ يهدد بمنع الرئيس من التجديد... بل من اكمال ولايته الأولى في ضوء التظاهرات التي تستعد لإطلاقها الشركات والاتحادات العمالية المسيسة! * كاتب وصحافي لبناني