مَن لم يعانِ يوماً من أوجاع في المفاصل؟ إنها شكوى لدى الجميع بمختلف شرائحهم العمرية. هذه الأوجاع التي قد تأتي من أمراض لحقت بالمفاصل ذاتها أو من أمراض غير متعلقة بها. كثيراً ما يفسر الناس أوجاع المفاصل بأنها ناتجة عن الروماتيزم، وهذا غير دقيق، فليست كل أوجاع المفاصل سببها الروماتيزم، إذ هناك أسباب أخرى يمكن أن تكون وراء هذه الأوجاع ولا علاقة لها بالروماتيزم. والروماتيزم كلمة طنانة يندرج تحت لوائها أكثر من 150 مرضاً، وهو لا يشاهد عند كبار السن فحسب، كما يظن البعض، بل يمكن رؤيته عند الشباب والصغار أيضاً. والروماتيزم يحكم قبضته على المفاصل ومن خلالها على بقية أنحاء الجسم. وليس كل ألم في المفاصل يعني الروماتيزم، وليس كل روماتيزم ينال من المفاصل، فهناك من الروماتيزم ما يصيب العضلات، أو الأنسجة الضامة، أو الأوعية الدموية، وحتى بعض الأعضاء لا يسلم من شره. ولا تعني الإصابة بالروماتيزم بالضرورة وجود التهاب في المفصل، فكلمة روماتيزم تستعمل لوصف الألم والتيبس في المفصل والأنسجة المحيطة به كالعضلات والأربطة والأوتار، في حين أن التهاب المفصل يشير إلى وجود باقة من العوارض المفصلية الموضعية مثل الألم والتورم والاحمرار وزيادة السخونة في المفصل، وهذه كلها قد تترافق مع بعض العوارض الجهازية العامة وارتفاع في سرعة ترسب كريات الدم الحمر. إن أسباب أوجاع المفاصل كثيرة ومتنوعة، فقد تكون جرثومية، أو غدية، أو استقلابية، أو عصبية، أو عضلية، أو هرمونية. ويعتبر التهاب المفصل الاستحالي خشونة المفصل من أكثر الأمراض الروماتيزمية انتشاراً والتي تسبب آلاماً في المفاصل، وفيه يتعرض الغضروف المغطي لنهائي العظمتين المتقابلتين لتشققات وتغيرات استحالية تفقده نعومته من هنا جاءت تسمية خشونة المفاصل. ويشاهد المرض عند النساء والرجال في أي عمر، لكنه يصيب النساء أكثر، ويشاهد أكثر فأكثر بعد منتصف العمر. صحيح أن المرض يزداد كلما توغل الشخص في الشيخوخة، ولكن هذه الأخيرة ليست العامل الوحيد، فهناك عوامل لها دورها في شكل أو في آخر في إشعال التهاب المفاصل الاستحالي، مثل الوراثة، وزيادة الوزن والضعف العضلي والرضوض. إن البرد يزيد من درجة الإحساس بألم خشونة المفصل ولكنه ليس سبباً مباشراً له. وما يميز هذا المرض أن الشخص يجد نفسه في أحد الأيام على ما يرام، غير أنه يكون في وضع سيئ في اليوم التالي. ومن أكثر المفاصل إصابة مفصل الركبة، ومفصل الورك ومفاصل العمود الفقري. ويعتبر الروماتويد من أشد الأمراض الروماتيزمية تأثيراً في المفاصل، وهو داء ما زال سببه مجهولاً، ولكن هناك شكوك حول أرضية مناعية له. إن التهابات المفاصل المتماثلة مفاصل أصابع اليدين والقدمين والركبتين والكاحلين ومشطي القدمين التي تدوم أشهراً عدة مع المعاناة من التيبس عند النهوض صباحاً وبقائه ملازماً صاحبه ساعة على الأقل، إضافة إلى ارتفاع المؤشرات الالتهابية في الدم وزيادة مستوى عامل الروماتويد يجب أن تدفع في اتجاه تشخيص المرض، على أن يكون هذا الشخيص باكراً تفادياً لحدوث الاختلاطات. ومن أسباب آلام المفاصل مرض النقرس، الذي ينشأ من ترسب بلورات حامض البول في المفاصل، خصوصاً مفصل إصبع إبهام القدم والكاحل والركبة ومشط القدم. ويصيب النقرس الرجال أكثر من النساء بنسبة كبيرة، إذ لا تتعدى نسبة إصابة الجنس اللطيف 10 إلى 15 في المئة. وفي 90 في المئة من الحالات تكون بداية الإصابة في مفصل واحد، في حين أن في الحالات المتبقية تطاول الإصابة مفاصل عدة. وهناك النقرس الكاذب الذي ينتج من ترسب أملاح الكلس والفوسفات في المفاصل بخاصة الكتف والركبة والمعصم والكاحل. ويسبب النقرس الكاذب نوبات من الآلام الحادة تشبه الآلام التي تشاهد في داء النقرس الحقيقي. وهناك مرض التهاب الفقرات اللاصق، الذي يبدأ عادة في المفصل العجزي الحرقفي، ومن أبرز عوارضه الألم والتيبس في القسم السفلي من العمود الفقري، ويتطور الألم على مدى أسابيع وأشهر، ويزيد الوجع بالراحة وقلة الحركة، ويهدأ مع القيام بحركات خفيفة، ويوقظ صاحبه ليلاً، أما التيبس فيكون على أشده في ساعات الصباح الباكر. ويمكن أن يمتد المرض ليصل إلى فقرات الرقبة، والمفاصل بين الأضلاع والفقرات، والمفاصل بين الأضلاع وعظمة القص. وينتهي المرض بالتصاق الفقرات مع بعضها بعضاً، وإلى تحدد حركة الأضلاع الأمر الذي يقود إلى الشكوى من صعوبات في التنفس. وتحدث الآلام المفصلية إثر غزو البكتيريا المفاصلَ، وتأتي البكتيريا إما مباشرة بواسطة جرح قريب من المفصل، أو في شكل غير مباشر من طريق الدم من إحدى البؤر الالتهابية في الجسم. وفي العادة يتعرض مفصل واحد للالتهاب الصديدي ولكن من الممكن إصابة مفاصل عدة في آن. ويعاني المصاب من التهاب المفاصل الصديدي، إضافة الى الألم، من ارتفاع في الحرارة، واحمرار وتورم موضعي في المفصل مع تحدد شديد في حركة الأخير. كيف يتم تدبير الآلام المفصلية؟ في حال الآلام الناتجة من التهاب المفاصل الصديدي، فإن العلاج في المستشفى أمر ضروري للقيام بكل الإجراءات المحافظة والجراحية بهدف التخلص من البؤرة الالتهابية في الجسم عموماً وفي المفصل خصوصاً. أما في الآلام الروماتيزمية، فهناك ترسانة طبية تفيد في علاج هذه الآلام أو على الأقل في التخفيف من وطأتها، وكذلك في السماح للمصابين بالتحرك في نشاط أكبر، وتحتوي هذه الترسانة على علاجات دوائية، وأخرى غير دوائية، وجراحية منها: - الدهونات الموضعية، وهي تعطي راحة آنية وتساعد على تطرية المفصل. - الأدوية المسكنة، وهي مفيدة في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة من أوجاع المفاصل. - الأدوية غير الستيروئيدية، وهي تساعد في التخفيف من الألم والتورم والتيبس. - حقن الكورتيزون. - أدوية تقوي الغضروف، مثل عقار سلفات الكوندرويتين، وعقار الغلوكوزامين، وخلاصة الأفوكاتو، وتعطى هذه الأدوية لمدة طويلة نسبياً، وهي تنفع في التخفيف من الوجع ومن صلابة المفصل. - حقن حامض الهيالورونيك، وهو علاج حديث يحتوي على مادة هلامية تحقن في المفصل. أما العلاجات غير الدوائية فتتضمن: - الكمادات الباردة أو الساخنة. - جلسات المعالجة الفيزيائية. - جلسات المعالجة المائية. - التمارين الرياضية المناسبة. - الحمية الغذائية. أما العلاج الجراحي فيستطب عندما تفشل الوسائل العلاجية المذكورة أعلاه، وهذه تتم إما مباشرة بالمشرط أو بواسطة المنظار. تبقى النقاط الآتية: من الضروري تسكين أوجاع المفصل لئلا يتخذ المصاب بها أوضاعاً سيئة تكون سبباً في حصول التشنج العضلي. قد يميل البعض الى عدم الحركة، وهذا خطأ لأنه يؤدي إلى ضياع في الكتلة العضلية. كثرٌ يعتقدون أن آلام المفاصل هي قضاء وقدر، لذا تراهم لا يستشيرون الطبيب، ولا يتعالجون، فتكون النتيجة استفحال المرض، وربما في النهاية تخريب المفصل بحيث يصبح استبداله بمفصل اصطناعي أمراً لا مفر منه.