لقاء القمة الذي جمع مدفيديف وساركوزي ومركيل في دوفيل بين 18و19 تشرين الاول اوكتوبر الجاري، حقق نجاحاً ملموساً، وطوى آثار الحرب الباردة الاخيرة. فهو أرسى اسس التقارب بين روسيا والاتحاد الاوروبي. واللقاء هذا عقد في مرحلة الاعداد لقمة منظمة الامن والتعاون الاوروبي، ولاعلان"الناتو"استراتيجيته الدفاعية الجديدة. وفي وسع روسياوفرنسا والمانيا أداء دور بارز في دعم وضمان الامن الأوروبي. ويبدو أن أوروبا تدرك أنها تحتاج روسيا للحفاظ على امنها ووزنها الدولي. كما ان لا غنى لروسيا عن أوروبا للمضي قدماً في عملية التحديث والتطوير. ونجاح مدفيديف بكسب ود الاوروبيين يعود الى نزعته الاصلاحية وتجاوبه مع سياسة باراك اوباما الرامية الى تحسين العلاقات الاميركية ? الروسية، وانتهاجه سياسة خارجية مرنة ومنفتحة وايجابية تقطع مع نهج سلفه بوتين. ولمعت سياسة مدفيديف صورة روسيا في الغرب، ووفرت المناخ الملائم لتطوير الحوار الاستراتيجي مع الاتحاد الاوروبي. وحصة الازمة المالية ? الاقتصادية العالمية راجحة في تغير العلاقات الروسية - الاوروبية. وتوجه روسيا نحو فرنسا والمانيا يمليه حاجتها الى الاستثمارات الاجنبية والشركاء المتعاونين، في وقت تجد فرنسا صعوبة في التوفيق بين حرصها على توجهاتها الاطلسية ودعمها للتوجهات الروسيات الاوروبية. وحاجة روسيا الماسة الى التحديث تمليها ضرورة تقليص حجم اعتماد اقتصادها على واردات الطاقة. والحق ان نقاط التقاء كثيرة مشتركة برزت في قمة دوفيل، أهمها الاجماع على ضرورة اعادة تكوين نظام الامن في القارة الاوروربية. ويلفت الانتباه اعلان الرئيس الفرنسي قرب انشاء فضاء اقتصادي مشترك بين الاتحاد الاوروبي وروسيا والغاء نظام التأشيرات. والاعلان هذا خطوة الى الامام لبعث الحوار حول مبادرة مدفيديف القاضية بتعديل هندسة الامن الاوروبي. وفي الوقت الراهن، من العسير فك البنى الامنية القائمة واستبدالها بأخرى جديدة. وثمة أسباب كثيرة وراء انفتاح روسيا على أوروبا، وأبرزها هو صعود الصين على الساحة الدولية. وعلى رغم ان قمة دوفيل مهدت الطريق امام مدفيديف للمشاركة في اجتماع مجلس روسيا ?"الناتو"في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، تعتبر العقيدة العسكرية الروسية الجديدة"الناتو"منظمة ذات طابع عدائي تهدد امنها. وتحول عقبات دون الاتفاق على مشاركة روسيا في الدرع الصاروخية الاوروبية والغاء التأشيرات بين روسيا والاتحاد الاوروبي. والعقبة الاكبر التي تواجه اقتراحات مدفيديف هي تعدد مراكز القرار الاوروبي وتوزعها على منظمة الامن والتعاون في اوروبا، ومجلس الناتو - روسيا، ومجلس الشراكة الاورو - اطلسية. والتزام الاقتراحات هذه يعقد مسألة مواصلة توسيع"الناتو". وأغلب الظن ان الولاياتالمتحدة ليست راضية عن استبعادها من قمة دوفيل. فهي تستسيغ أن تحاور دول ال"ناتو"بصوت واحد روسيا. ولن توفر جهداً لابقاء التقارب الروسي ? الاوروبي عند حده الادنى، في وقت لم يخف على واشنطن بأن فرنسا والمانيا جاهزتان لمنح روسيا ساحة للحوار في الاتحاد الاوروبي. ويتوقع أن تسعى واشنطن في ابرام اتفاق امني سياسي، عوض التصديق على معاهدة ملزمة لجميع الاطراف. وعلى ما يرى المراقبون الغربيون، وعلى رغم الترحيب بتعاون روسيا في المسألة الايرانية وتأييدها العقوبات الدولية، لم تكسب موسكو ثقة واشنطن وبروكسيل بعد. واقترح الالمان والفرنسيون سحب روسيا قواتها من بريدنيستروفي لامتحان نياتها الاوروبية. ولكن موسكو لم تلب الدعوة هذه جراء اعتبارات وثيقة الصلة بالقوى المتنازعة في مولدافيا. * صحافي، عن "برافدا" الروسية، 20/10/2010، إعداد علي ماجد