يشكل وجود شخصية أجنبية في المسلسلات العربية مشكلة. ويحتار كتاب السيناريو في اللغة التي يجب أن تنطق بها الشخصيات. في السابق، كان معظم الأجانب في الأعمال السينمائية أو التلفزيونية من"الخواجات"مواطني البلاد العربية، وقد ألصقت بهؤلاء طريقة خاصة في الكلام هي"اللغة العربية المكسرة"التي كان يتم التعبير عنها بتأنيث المذكر وتذكير المؤنث كما بتحوير نطق بعض الأحرف كأن تصبح الحاء خاء. في عصرنا هذا فرض اختلاف نمط الحياة، كالإقامة في الخارج وكثرة الأسفار تواجد علاقات من شتى الأنواع بين الطرفين العربي والغربي، وبات التواجد الأجنبي أمراً شبه عادي في الحياة. وانعكس هذا بالطبع على الدراما، وغدا من الضروري التأقلم مع الأوضاع الجديدة. ولكن يلاحظ أن ثمة ارتباكاً واضحاً في الأسلوب المتبع مع الشخصية الأجنبية، فبعضهم يدعها تتحدث اللغة العربية الفصيحة، وبخاصة إن كان المسلسل تاريخياً ويستدعي"الجدية". فيما يتركها آخرون تحكي بلغتها الأم الانكليزية أو الفرنسية ويضع الترجمة أسفل الشاشة. ويفضل فريق ثالث أن تتحدث بالعامية المكسرة كما كان يحصل سابقاً، فيما قلائل ينطّقونها العامية الصحيحة وبطلاقة أهل البلد، لكنهم يدخلون بين جملة وأخرى عبارة كاملة بالانكليزية ليؤكدوا أجنبية الشخصية. وهذا ما يحصل في المسلسل الذي يعرض حالياً على قناة دبي"قاتل بلا أجر"حيث الطبيب المصري حسين فهمي يعيش في أميركا أو انكلترا فيما زوجته الأميركية وحبيبته تتحدثان العربية بطلاقة مدهشة! قد يكون هذا خياراً مريحاً لولا هذه العبارات بالانكليزية التي تأتي في النهاية أو في وسط الكلام لإفهام من فاته أن يفهم أن هؤلاء ليسوا عرباً. ولا يتوقف الأمر عند هذا، فبعد تلفظ الممثل بهذه العبارة الانكليزية يعيد تفسيرها لمحدثه مباشرة باللغة العربية! فما المقصود من ذلك؟ لكن الأكثر إثارة للسخرية هو حين تتكلم الشخصية بلغتها"الأم"، وترتكب عدداً من الأخطاء النحوية واللفظية كما تتحدث بلهجة من لا يتحدث بلغته الأصلية. وهكذا كان الضابط الفرنسي الأشقر في"باب الحارة"ينطق الفرنسية بلكنة سورية واضحة، وبدت الممرضة الفرنسية في"كلام نسوان"المصري متلكئة في حديثها ومصطنعة في لهجتها. وكان هذا حال بقية الفرنسيين الذين ظهروا في المشاهد التي صورت في المستشفى الفرنسي. قد يكون من الأفضل لمعالجة هذا الأمر أن يتكلم الأجنبي اللغة العربية الفصحى أو يترك ليعبر بلغته"الأم"شرط أن يتحدثها جيداً، وتكتب الترجمة أسفل الشاشة. ولعل الأنسب جعله يتحدث العامية كبقية الممثلين كما يحصل للشخصيات الأجنبية في الأفلام والأعمال الغربية. ولكن، قد يكون هذا الارتباك اللغوي مؤشراً على مشكلة أكثر عمقاً تتعلق بأسلوب تمثل الذات وتمثل الآخر، فالعربي يرى نفسه كعربي ويرى الآخر كأجنبي، بالتالي يتعسر عليه جعله يتحدث بلغته كأهلها، فيما الأميركي مثلاً لا يتورع في أفلامه عن جعل حتى جول سيزار يتحدث بلهجة أهل تكساس! نشر في العدد: 17087 ت.م: 2010-01-15 ص: 26 ط: الرياض