تؤذن الازمة المالية والاقتصادية بانتهاء عصر المديونية الذي بزغ في مطلع السبعينات. وفي الأثناء ضاهت نسبة المديونية نسبة النمو المحلي، في الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول. ويميل الناس الى رد بداية الازمة الى انهيار مصرف"فيمان براذرز"في أيلول سبتمبر 2008. ولكن الازمة بدأت في حزيران يونيو 2007. وفي آب أغسطس 2007، بدا جلياً أن أبرز المؤسسات المالية على وشك الافلاس. ولكن المراقبين والمسؤولين رفضوا تصديق الوقائع طوال عام. وإثر الانهيار المالي والاقتصادي، أدركنا أن أبرز المصارف أفلست. ولغة علم النفس أقرب الى وصف الحوادث الاقتصادية حين ينكمش الاقتصاد أو ينهار من لغة الاقتصاد وعلومه. واليوم، يمر العالم في مرحلة التعافي من صدمة الازمة. وهو لجأ الى وسيلتين علاجيتين متضاربتين، الاولى هي علاج ميلتون فريدمان، والثانية علاج جون ماينرد كينز. وتوسل بالأولى الاحتياط الفيديرالي الاميركي، وضخ سيولة كبيرة في الاسواق لتفادي أزمة مصارف شبيهة بتلك التي حصلت في الازمة الكبرى، في ثلاثينات القرن الماضي. وهذا علاج في محله، على خلاف العلاج الثاني. ولا يسعنا اللجوء الى سياستين متضاربتين، في وقت واحد. فالسياسة الفريدمنية نسبة الى فريدمان ترمي الى إبقاء الفوائد منخفضة القيمة، والى توفير السيولة المالية، بينما ترمي الثانية الى رفع قيمة الفوائد. وليس طرح 1,75 تريليون دولار في سوق السندات المالية، في أثناء أزمة مالية واقتصادية، في محله. وأغلب الظن ألا يشتري الصينيون هذه السندات. فالزواج بين الصينوالولاياتالمتحدة، أو ما يعرف ب"شيمريكا"، شارف على الانفضاض. وقد ينتهي الى طلاق عاصف. ويبدو أن الاحتياط الفيديرالي هو من سيشتري السندات هذه. وأتوقع أن تصطدم السياسة المالية الاميركية بالسياسية الضريبية الاميركية. فالاسواق ستدرك أن لا مفر من امتصاص النظام المالي السندات الضخمة قيمة وحجماً. فيحصل خلاف ما يرجوه بن برنانكي، أي تنخفض قيمة السندات، وترتفع قيمة الفائدة. ولا شك في أن الازمة الراهنة ليست أميركية فحسب، بل هي أزمة عالمية شاملة. وهي أزمة العولمة نفسها. ولن ينكمش الاقتصاد الاميركي انكماشاً كبيراً. وقد تصدق توقعات صندوق النقد الدولي، وينكمش الاقتصاد الاميركي 2,6 في المئة. ولكن نسبة هذا الانكماش ضئيلة إذا قيست بأثر الازمة في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأوروبا. وبلغت نسبة انكماش الاقتصاد الالماني نحو 6 في المئة. ونحن نواجه أزمة لا تذلل بواسطة حلول أميركية فحسب، بل تذلل بحلول عالمية شاملة. ولا أرى أن الجمع بين النهج الفريدمني والنهج الكينزي هو علاج الازمة العالمية الناجع. * أستاذ تاريخ في جامعة هارفرد، عن"نيويورك ريفيو أوف بوكس"الاميركية، 1 1 /6/2 009، إعداد م.ن نشر في العدد: 16889 ت.م: 01-07-2009 ص: 27 ط: الرياض