لا شك في أننا نواجه أسوأ أزمة مالية واقتصادية وأفدح انكماش اقتصادي منذ الازمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينات. وقبل نحو ستة أشهر، شارف الاقتصاد الاميركي، والقطاع المالي خصوصاً، على انهيار عظيم. ولكن السلطات الاميركية تداركت الامر، وأدركت أن نسبة الانكماش الاقتصادي بلغت 6 في المئة، وأن الانكماش يمتد الى العالم. فبادرت الى محاولة وقف دوران عجلة الازمة. وثمة مغالاة في الزعم أن حركة النمو الاقتصادي الاميركي ستستأنف في النصف الثاني من 2009. وثمة من يُجمع على أن نسبة النمو الايجابي المتوقع تبلغ 2 في المئة، وأنها تفوق هذه النسبة في 2010. ولكن الاجماع هذا ضعيف الصلة بالواقع. فحركة الانكماش الاقتصادي تباطأت، ولكنها لم تتوقف. والاقتصاد ماض في انكماشه. وأتوقع أن تنخفض نسبة الانكماش من 6 في المئة الى2 في المئة، ولا تتعدى نسبة النمو الاقتصادي العام المقبل ال0،5 في المئة. وأغلب الظن أن تتجاوز نسبة البطالة ال 10 في المئة، في هذا العام، وأن تبلغ 11 في المئة في 2010. وتواجه بقية الاقتصادات العالمية المتطورة مصاعب أعظم من مصاعب الاقتصاد الاميركي. ففي اليابان ثمة مشكلات اقتصادية بنيوية. وتنتهج منطقة اليورو سياسة انقاذ ضعيفة. والنظام المالي يواجه مشكلات عويصة. وعدد كبير من المصارف أفلس. وحريّ بنا الاخذ باقتراح بيل برادلي (سناتور اميركي سابق عن ولاية نيوجرسي ومدير مصرف)، والاحتذاء على خطة الانقاذ المالي السويدية لتفادي ظهور مصارف «السعدنة» (على غرار عملة السعدان أو القرد)، وهي مصارف مفلسة لا تشهر إفلاسها جراء دعم الحكومة العلني أو المضمر لها. ويفترض الحل السويدي وضع الحكومة اليد على المصارف المفلسة، و «تنظيفها»، أي فصل الاصول الفاسدة عن الفصول الصالحة، ثم عرضها للبيع على القطاع الخاص. ولا تضارب بين السياسات الضريبية والمالية. ويفترض بكلتيهما أن تحفز الطلب. وتسهم السياسات المالية في بعث القروض. وتبرز الحاجة الماسة الى حوافز ضريبية، في وقت تتهاوى المؤشرات الاقتصادية، وتتقلص معدلات الاستهلاك والاستثمار العقارين، والانفاق، وتتراجع معدلات الصادرات. ولكن السياسات الضريبية لا تذلل مشكلة القروض. ويترتب عليها عدد من العواقب. ففي الاعوام المقبلة ترفع هذه السياسات الدين الاميركي العام نحو 9 تريليون دولار. وأخالف نيال فرغسون الرأي. فعصر المديونية لم يطوَ، في وقت تعاظمت ديون قطاع المنازل، والمصارف والمؤسسات المالية، والشركات. وأضيفت هذه الديون الى موازنة الحكومة. ولذا ارتفع الدين العام. والسبيل الى معالجة فائض الديون هو تحويلها الى صناديق أوراق مالية، وليس مراكمة الديون العامة فوق الديون الخاصة لتمتزج روافد الدين، ولا يتميز الرافد من غيره. * أستاذ جامعي في الاقتصاد وعميد شركة «أر جي أو» للاستشارات الاقتصادية، «نيويورك ريفيو أوف بوكس، 11/6/2009، اعداد م.ن