لا تحصى العناوين الجديدة التي تضمنها خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة أمس. ومعظم هذه العناوين، مثير للجدل والتحليل والاستشراف على رغم أن بعضه معروف مسبقاً، مثل النظرة الى الإسلام و "مناهضة الصورة النمطية" عنه، و "التصرف المخالف لمثلنا" والعراق وبؤر التوتر في الشرق الأوسط وحل الدولتين الفلسطينية واليهودية... الخ. إلا أن أوباما قدّم موقفاً بصياغات جديدة للعناوين المعروفة، وتطرق حكماً الى عناوين جديدة لم يسبق للرئيس الأميركي الشاب أن تناولها، منها على سبيل المثال لا الحصر، إشارته الى "العنف المأسوي" الذي تولده "الانقسامات بين السنّة والشيعة خصوصاً في العراق"، وحديثه عن احترام حقوق الموارنة في لبنان والأقباط في مصر في سياق تناوله مسألة الحريات الدينية... فضلاً عن نيته السعي الى عالم لا تمتلك فيه أي دولة أسلحة نووية، ما يوحي بأن هذا يشمل نظرياً، إسرائيل، ولا يقتصر على إيران... إضافة الى التزامه بأن يسعى "شخصياً" الى هدف الدولتين. ومع أنه يمكن للكثيرين أن يتناولوا خطاب أوباما هذا كحدث عالمي بامتياز، وليس على أنه مجرد كلام دعائي، فإن على الذين يثير فيهم ما قاله الإعجاب المبرر والمفهوم، أو أولئك الذين يمكن أن يتوجسوا منه، لأنهم في موقع العداء للسياسة الأميركية نظراً الى ما سببته من مآس في الشرق الأوسط، ألا يتسرعوا الفريقان معاً في رد الفعل سواء السلبي أم الإيجابي عليه ويتأنوا في استخراج الاستنتاجات المهمة منه لأنه خطاب فائق الدقة وكثير الأهداف والأغراض وفيه الكثير من التواضع والواقعية، والكثير من الحزم، ويرتب على الرئيس الشاب التزامات تاريخية قد تحتاج منه أن يعيش أكثر من مئة سنة إذا أراد تحقيقها نظراً الى أنها تنطلق من مُثُلٍ عليا، قد تؤسس لمرحلة جديدة في تعاطي الولاياتالمتحدة مع سائر العالم والشرق الأوسط لعقود مقبلة. وفي انتظار ردود الفعل الجدية على رؤية أوباما فإن الملاحظات المتفرقة التي تطرح أسئلة أو تسجل انطباعات حيال الخطاب، يمكن ذكر بعضها كالآتي: 1 - إنه أول نص سياسي على مستوى القيادة الدولية، فضلاً عن الأميركية، يتضمن مراجعة نقدية لسياسة الولاياتالمتحدة، حيال الإسلام ودول الشرق الأوسط، حتى لو كانت هذه المراجعة ناقصة أو تتوخى "التوازن" في التطرق الى العلاقة العدائية وحال اللاثقة بين واشنطن وبين هذا الجزء من العالم. وأبرز نقاط المراجعة هي الإشارة الى خطأ دعم واشنطن الانقلاب على محمد مصدق في إيران في الخمسينات، وإلى دور الاستعمار في التوترات مع المسلمين وإلى تسبب الصدمة المأسوية لهجمات 11 ايلول سبتمبر "بتصرف مخالف لمثلنا..." إلا أن هذه المراجعة على أهميتها وإيجابيتها، بقيت ناقصة في ما يخص الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فبنية الخطاب تساوي بين الإسرائيليين والفلسطينيين وما تعرض له الشعبان من ظلم. ونَفَسُ الكلام يدل على أن أوباما، على رغم لهجته شبه الحازمة إزاء إمعان إسرائيل في بناء المستوطنات وتجاهل حل الدولتين، لا يُخضِعُ موروث العلاقة الأميركية - الإسرائيلية للمراجعة الحقيقية. فالمشكلة العربية - الفلسطينية مع واشنطن أنها كانت في كل مرة تسعى فيها الى حلول للقضية تنطلق من أمر واقع كرّسه انحيازها الكامل من أجل التفاوض عليه... متجاهلة أن الاستناد الإسرائيلي التاريخي الى دعمها الأعمى هو الذي ولّد العقبات أمام هذه الحلول، فتبدأ التفاوض مما حققه الجانب الإسرائيلي على الأرض بالقهر والعنف. وغياب المراجعة النقدية التاريخية يقود الى مطالبة العرب بالتنازل تلو التنازل... 2 - ان التغييرات التي كرّسها وأطلقها أوباما، في سياسات بلاده وفي هذا الخطاب بالذات، تحدث تعديلات حيال مقاربة هذه السياسات من قبل الدول العربية والإسلامية وتثبت المقولة التي واجه فيها العالم أداء إدارة سلفه جورج بوش، بأن تحسين صورة أميركا في العالمين العربي والإسلامي يتوقف على تحسين السياسات وليس على الحملات الدعائية الفاشلة التي قامت بها إدارة بوش وكلفت بلايين الدولارات من دون أي نتيجة. 3 - ان أوباما في مقارباته الجديدة يسعى الى "ترميم" قيادة أميركا في العالم انطلاقاً من الشرق الأوسط بعدما أفرطت سياسات الإدارات السابقة وإدارة بوش في وضع هذه القيادة في مواجهة مع العالم. وهذا الترميم الذي يحتاج الى التعددية القطبية، بدلاً من الأحاديث الفاشلة، بات يحتاج أيضاً الى انفتاح على الإسلام واعتماد خيارات مختلفة تجاه المسلمين... نشر في العدد: 16863 ت.م: 05-06-2009 ص: 15 ط: الرياض