تجد مصر نفسها بعد جولات الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، في موقف حرج، خصوصاً بعد ظهور حاجتها إلى الإثبات بأنها ما زالت تملك زمام الأمور في رسم ملامح المنطقة وفق رؤيتها السياسية الخاصة، على رغم التشكيك في سلامة مواقفها تجاه القضية الفلسطينية. وتعتبر مصر أن ما يواجهها من تحد في هذا المضمار، يمس مكانتها التي حاولت تكريسها طوال السنين الماضية، وأكثر من ذلك، ترى أن بعض الدول الإقليمية يسعى إلى لعب دور سياسي ما على حسابها، والعمل على تحييدها عن الملفات الساخنة في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، ومحاولة الولوج من خلال عدد من المسائل العالقة، كقضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، والحوار الفلسطيني - الفلسطيني، لذا وجدت مصر أن إنجاز مصالحة فلسطينية تعد ركيزة أساسية تمكنها من الانطلاق مجدداً نحو إعادة الثقة بفاعلية دورها وقدرتها على فرض نفسها كلاعب أساسي في المنطقة لا يمكن تجاهله. من هنا وأمام بوادر تعثر المصالحة، وتمسك الفرقاء الفلسطينيين بمواقفهم من القضايا العالقة بينهم بعد الجولة الخامسة من الحوار، تستشعر مصر خطورة ما يواجهه دورها من انتكاسة جديدة، قد تعرقل سعيها باتجاه استعادة هذا الدور الذي بدا مختلاً بعد الحرب الإسرائيلية على غزة. لذلك تهدد القاهرة ب"فرض"مصالحة فلسطينية، وأن الجولة المقبلة من الحوار ستكون الأخيرة، وأن على الفلسطينيين أن يحزموا أمرهم فيها ويخرجوا بصيغة مصالحة نهائية، يوقع عليها الراعي المصري، وبالتالي يفقأ الأعين التي كانت ترصد وتتابع الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، وتنتظر أن تفشل مصر في إنجاز المصالحة الفلسطينية الموعودة. وبالتالي إذا كانت التسريبات حول تهديد مصر بفرض مصالحة فلسطينية صحيحة، فهذا يعني أن الراعي المصري قد استنفد كل الوسائل في سبيل تحقيق المصالحة، وأن زمام الأمور بدأ يخرج عن سيطرته. لكن في المقابل ما هو شكل العصا التي تستطيع مصر أن تلوح بها في وجه الفرقاء الفلسطينيين، ليرضخوا لصيغة مصالحة قد لا تروق لبعضهم أو لجميعهم، ان ما يمكن الضغط به على"حماس"هو التضييق أكثر من خلال معبر رفح، ومحاولة سجن قادتها في غزة، وحرمانهم من ممارسة نشاطهم السياسي خارج حدود القطاع، والعمل على تجفيف منابع الأنفاق التي تمد"حماس"بنسغ المقاومة في القطاع وفق المستطاع، لكن هذا لا يبدوا حلاً ناجعاً، لأن"حماس"، وبحسب التجربة، يمكن أن تدفع ثمناً كهذا على رغم قسوته في مقابل التمسك بما تعده ثوابت لا يمكن التخلي عنها، أما فيما يخص الضغط على حركة فتح، فإن القاهرة قد تكون أسقطت بعض قادة فتح في مماسك مشابهة لما كان الأمن الوقائي في غزة قد أسقط بها بعض القيادات الفتحوية، وإن كانت هذه المعلومات غير مؤكدة تماماً، إلا أنها إن صحت يمكن أن تكون عامل ضغط مهم في فرض صيغة على حساب فتح. لكن الأمور لا تقف عند إمكانية ممارسة مصر للضغوط بالصيغ المذكورة، فمصر تدرك جيداً أن إغلاق معبر رفح وهدم الأنفاق هو السبب الرئيسي في تعرض دورها الإقليمي للانتكاس، ومن جهة أخرى، إن محاصرة قادة حماس في قطاع غزة قد يأخذ منحى في غير مصلحة ما تخطط له مصر، لأن شعبية حماس قد تزداد، وبالتالي تكون مصر قد أطلقت العنان لمزيد من تصاعد القوة الشعبية لحماس، في حين أنها سعت جاهدةً للجمها وتقويض طموحاتها الوطنية، أما بالنسبة الى فتح، فإن مشروعها متوافق مع الأجندة السياسية المصرية، وكل من فتح ومصر تصنفان دولياً على أنهما من قوى الاعتدال في المنطقة، إضافة إلى أن ما تسعى إليه فتح فلسطينياً يتماشى مع التوجهات الدولية تجاه القضية الفلسطينية، لذلك فإن مصر وإن كانت تمتلك ما يمكن أن تضغط به على فتح، فإن ما تملكه لن توظفه في إطار مخالفة المصلحة المصرية. يبقى أن نتصور إلى أي مدى تبدو المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، مهمة بالنسبة الى الراعي المصري، بقدر أهميتها للفلسطينيين، مع اختلاف الأهداف من ورائها، واختلاف الآمال المعقودة عليها. غسان أبو حبل - بريد الكتروني