على مدار الحكومات الثلاث والثلاثين في حياة إسرائيل السياسية منذ قيامها حتى الانتخابات الأخيرة لم تكن هناك حكومة حقيقية جعلت من السلام قضيتها الأساسية، بل كانت قضية الأمن ولا تزال هي المحدد الأساسي للسلام الذي تسعى إليه إسرائيل، وحتى الانتخابات الأخيرة التي جاءت كاستطلاع رأي رسمي أكد الطابع اليميني للرأي العام الإسرائيلي الداعم للسياسات اليمينية المتشددة والتي ترفض حتى قيام دولة فلسطينية بما نسبته أقل من عشرين في المئة من مساحة فلسطين. فكيف الموقف من القضايا الرئيسة الأخرى كاللاجئين والقدس والمستوطنات التي تعتبرها إسرائيل لاءات لا يمكن تجاوزها في أي مفاوضات. ما زالت إسرائيل ترى السلام من منظورها فقط من دون أن تدرك أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال علاقات تبادلية متوازنة ومتكافئة مع البيئة التي توجد فيها إسرائيل. فكيف يمكن إسرائيل أن تحقق أمنها واستقرارها وشرعيتها الكاملة من دون أن تعترف بأن هناك حقوقاً للشعب الفلسطيني على أرضه، وحقه في قيام دولته المستقلة القادرة على صنع السلام والحفاظ عليه. يبدو من استقراء تطور المدركات السياسية والإيديولوجية التي تحكم الحكومات الإسرائيلية وعلى اختلاف أحزابها أن هذه المدركات السياسية ليست ناضجة وقابلة حتى الآن لفكرة السلام وحتى السلام المتوازن أو الواقعي وذلك برفضها التعامل مع مفهوم الدولة والسلطة الفلسطينية الحقيقة، ولذلك المفهوم الإسرائيلي لا يتعدى سلطة بحدود سيادية محدودة، وبدولة لا تصل إلى مفهوم الدولة السيادية. يمكن أن تتحدث عن دولة ولكن بتصورات ورؤى غير سياسية، وفي هذا السياق يتحدث نتانياهو عن الحلول الاقتصادية وليس السياسية، أو الاقتصاد مقابل الأمن، وبهذا التفكير تتراجع القضية الفلسطينية أكثر من ستين عاماً عندما كانت تسود النظرة الإنسانية للقضية الفلسطينية. اليوم في إسرائيل حكومة يمينية بأحزابها الدينية واليمينية المتشددة وهي أحزاب تتفق في برامجها السياسية على قضية واحدة هي رفض التعامل مع الفلسطينيين كأصحاب قضية لهم حقوقهم المقرة دولياً وتاريخياً، ولو كانت إسرائيل جادة في التعامل مع قضية السلام لأنهت احتلالها منذ وقت طويل أو على أقل تقدير منذ توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993، وهي فترة زمنية كافية حتى الآن لقيام دولة فلسطينية ملتزمة بالسلام، لكن إسرائيل وتأكيداً لعدم استعدادها للسلام وحتى الواقعي في أكثر صوره قبولاً، استمرت في سياسات الاستيطان وتهويد الأرض الفلسطينيةوالقدس خصوصاً، وما الإجراءات الأخيرة من مصادرة حي سكني عربي في القدس وهدم منازل أصحابه تحت ذريعة عدم الترخيص، واستمرارها في بناء سور العزل السياسي دليل على عدم هذا النضج السياسي والإيديولوجي للدخول في عملية سلام تحكمها الاتفاقات وقرارات الشرعية الدولية. هي تريد السلام الذي تفرضه موازين القوة، وهذه الموازين تتعامل مع السلام من منظور ضم الأراضي وإعادة ترسيم الحدود على أسس أمنية، فالحدود المتعارف عليها هي حدود أمنية وليست سياسية أو حقوقية. هذا النهج هو الذي يفسر فشل اتفاقات أوسلو وغيرها من الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير ومنحت إسرائيل اعترافاً عجزت عنه كل حروبها مع الدول العربية. إذاً معضلة السلام تكمن في القيادة الإسرائيلية وفي إدراكها، أن السلام الذي يحقق لها الأمن لا يتم إلا من خلال منح دول المنطقة، والفلسطينيين بشكل خاص، الشرعية والقبول لها كدولة غير محتلة وملتزمة استحقاقات السلام الحقيقي والواقعي. وإذا نظرنا إلى معادلة السلام نجد أن الشق المتعلق بالفلسطينيين هو المجمد وغير المتحقق، فما زال الفلسطينيون يعانون من الاحتلال بكل سياساته اللاأخلاقية والتي تصادر حق الفلسطينيين حتى في قيام دولتهم. وهذه العلاقة غير المتكافئة لا يمكن أن تحقق سلاماً على الإطلاق. فالسلام الذي تريده إسرائيل هو سلام الدولة المتحكمة في المنطقة كلها، وهو السلام الذي يعطيها اعترافاً تاريخياً ودينياً وتطبيعاً كاملاً في العلاقات، بل ويعطيها وحدها فقط الحق في التفوق العسكري وحتى النووي، لذلك لا تعنيها الدول العربية بل التحالفات الدولية مع الدولة المتحكمة والمؤثرة في صنع القرار الدولي، وهذا ما اعتمدت عليه إسرائيل في علاقاتها التحالفية الدولية، خصوصاً مع الولاياتالمتحدة، وهذا ما يجعلنا نقول أن مفتاح السلام الحقيقي في يد الولاياتالمتحدة بحكم علاقاتها التحالفية مع إسرائيل وليس مع الدول العربية. ناجي صادق شراب - غزة - بريد إلكتروني