يزور عدد كبير من الأشخاص معرض العقارات العالمي في جنوبفرنسا ليتعرفوا إلى ما ينجزه الآخرون ويطلعوا على ما يقدّمه الأفضل، وعلى كل ما هو جديد ومثير. وهوالمكان الذي تتمّ فيه الصفقات عندما تشرق شمس الربيع. وشارك الأسبوع الماضي 18 ألفاً من أكثر من 80 بلداً في هذا الحدث الذي استمر لثلاثة أيام. يُعتبر موقع المعرض مهماً للغاية، فيضفي البحر الأزرق المتلألئ وأشجار النخيل وشمس الربيع الممزوجة بالمطبخ الفرنسي والشواطئ واليخوت، رونقاً قوياً لا يسع لعدد كبير من الأشخاص مقاومته بعد شتاء طويل ورمادي. ويزور معرض العقارات الدولي، أشخاص من جميع أنحاء العالم، لا سيما من النصف الشمالي من الكرة الأرضية، علماً أن معظمهم يعمل في أسواق الدول المتقدمة، وهي أسواق شهدت أقوى انكماش وانحطاط وضغوط ائتمانية جرّاء التراجع الاقتصادي الحالي. وقد لا يكون معرض العقارات العالمي واعداً أو يدعو إلى التفاؤل إذا نظرنا إلى عناوين الصحف الرئيسية. التفاؤل والواقعية صدر منذ سنتين في صحيفة"الحياة"مقالٌ إيجابي يدعو إلى التفاؤل، يدور حول هذا الحدث. ويصعب علينا أن نصدق أن الوضع تغيّر كثيراً منذ ذلك الحين. فالموقع هو ذاته والخيم هي نفسها، كذلك المطاعم، لكن برز واقع جديد وجدية كبيرة، رأى فيهما البعض بشير أمل. فمنذ عامين، كان العاملون في العقارات يخشون أن يعترفوا، حتى لأصدقائهم، بأن هذه التجارة لن تكون مربحة بقدر ما كانت بالنسبة إلى أي شخص آخر. وطرحت حاجة"ملحة"للنجاح في العمل وللعمل بكد وعقد صفقات مربحة. أما الجو الجديد الطاغي فيدعو إلى الجدية والتقبل. ويجب أن نقرّ بأن التجارة باتت أكثر بطئاً وأن التكاليف والنفقات باتت مشكلةً وأنه أصبح من الصعب عقد صفقات مربحة وأن أحداً لا يعرف متى سنصل إلى قعر السوق. فمعرض العقارات العالمي هو المكان الذي يعقد فيه العاملون في ميدان العقارات، الصفقات، ويلتقي فيه المطوّرون بأصحاب الأراضي بهدف الشراء. ويأتي الممولون الاستثماريون لبيع الأموال علماً أنهم افتقدوا المال هذه السنة ويحضر وكلاء العقارات للقاء زبائنهم المطوّرين، والمستثمرون ليطلعوا على مستجدات السوق وما إذا كان الوقت مناسباً لإجراء الاستثمارات من جديد. لا شك في أن الجلوس في المقهى ومشاهدة حركة الناس، أمر مريح ومثير للغاية في حال كان المرء يهوى مراقبة الناس. فلم تشهد مدينة كان، هذا العدد الهائل من الأشخاص الذين يرتدون البذلات الرمادية ويسيرون على طول الشاطئ. فلماسحي الأراضي والمحامين طريقة خاصة في ارتداء الملابس. إذ يملكون أسلوباً خاصاً بهم على رغم أن مصممي الأزياء في باريس وميلانو لا يطلقون على ذلك اسم أسلوب ويبدو أن هذا المظهر يتخطى الحدود الدولية. ومن غير الصعب أن يميز المرء بين رجل إنكليزي ورجل إيطالي فالإيطالي يرتدي ثياباً أكثر أناقةً. لكن يبدو أن البذلة الرمادية قد تخطت الحدود في معرض العقارات الدولي مع الإشارة إلى أن المهندسين والمستثمرين يبدون أكثر ارتياحاً من العاملين في ميدان العقارات والمحامين. التحفظ والجدية والعزم غاب البذخ الذي شهدناه في السنوات الماضية من زجاجات شمبانيا على الطاولات في المطاعم ومن حفلات صاخبة على اليخوت الفخمة الراسية في الميناء. فكل شيء بدا متواضعاً. وشارك عدد من الشركات القانونية ووكلاء العقارات والمطوّرين وممولي العقارات في معرض العقارات الدولي، إلا أنهم أرسلوا عدداً قليلاً من الأشخاص وكانت الموازنات محدودةً. هذا يعني أن الأشخاص الذين حضروا كانوا أكثر جديةً وعزماً على الاستفادة من وقتهم هناك. وكانوا يبحثون عن أسس الاستثمار في ميدان العقارات عوضاً عن الاعتماد على البنية المالية المتعددة التي تسببت بمشاكل كبيرة وأدت إلى انقطاع الاتصال بين المستثمر والأصول وتدفق الأموال. أما الشعور الذي طغى على معرض العقارات الدولي فهو أنه يمكن لسوق العقارات أن ينتعش طالما أن التجارة هادئة. ويبدو أن المصارف أدركت أنها في حال أجبرت أصحاب العقارات على البيع في السوق الحالية، فلن تجد صعوبةً فحسب في استعادة المال الذي استثمرته في العقار، بل يرجح أن تخفض أكثر أسعار العقارات وبالتالي قيمة العقارات الأخرى التي تهمها. وفي حال استطاع أصحاب العقارات دفع الفائدة على قروضهم علماً أنه في عدد من الحالات انخفضت معدلات الفائدة ما سهّل الأمور، فقد تتقبل المصارف الواقع ولا تطالب بإعادة دفع رؤوس الأموال، فتلجأ إلى فرض دفع مبلغ في مقابل أي تغيير في الترتيبات، لكن الواقعية تطغى على أوساط أصحاب المصارف. وقد أرسى معظم المصارف وحدات إنقاذ في محاولة منه استدراك المشاكل التي قد يواجهها الزبائن قبل أن تتفاقم، ويعجزون عن حلها. وفي حالاتٍ، أصبحت المصارف المسؤولة عن التطورات بما أن قيمة الأسهم العادية التي استثمرها المطورون انخفضت، علماً أن المصارف لا ترغب في أن تصبح مطوّرة. عقود البناء الدقيقة شارك كل من شركات البناء والمطوّرون في معرض العقارات الدولي، من بينهم مستشارو بناء ومستشارو حلّ خلافات ومحامون فضلاً عن آخرين. وقال وليام ديك، مدير شركة"بيركلي كونسالتنسي" يعمل أحياناً مدير مشروع، وهي شركة تقدم النصائح إلى المطوّرين حول مسائل متعلقة بالبناء:"الوقت مناسب أكثر من أي زمن للبناء في المملكة المتحدة إذا كنت تملك المال". وكان يعني أن المقاولين سئموا من المحافظة على اليد العاملة وهم يضعون أسعاراً غير متوقعة لعقود البناء. وأعطى مثالاً عن عقد كان يتوقع أن يبلغ ثمنه 6 ملايين جنيه إسترليني فأنجز في مقابل 4.5 مليون جنيه. ففي حال وافق المقاول على هذا الثمن المنخفض، تعوّض الخسارة في الربح مع المطالبة بدفع مبالغ إضافية عند انتهاء العقد. ولا شك أن طريقة صوغ العقود في هذا الجوّ ستكون أساسية. ويقاضي مقاولون زبائنهم للحصول على مزيدٍ من المال عند انتهاء العقد عندما تكون الهوامش ضيقة. ويبدو أن في السنوات القليلة المقبلة، ستصبح المحاكم منهمكةً بعقود البناء المتأتية من العقود التي تبرم الآن. المستثمرون في الشرق الأوسط على رغم أن معرض العقارات الدولي، بمثابة درس جغرافيا بالنسبة إلى كثيرين فقد عرفتُ أين تقع منطقة كراسنودار الأسبوع الماضي وهي مدينة في روسيا، لم يتمّ تمثيل عدد كبير من المناطق في العالم. فكان منظمو معرض العقارات الدولي حريصين على توسيع عدد البلدان والمناطق التي يتمّ تقديمها في الحدث في كل سنة. ومن المثير أن يضم المعرض بلداناً من الشرق الأوسط في المستقبل بهدف عرض مشاريع من جميع أنحاء المنطقة. لأن ذلك يساهم في إعطاء العاملين في ميدان العقارات صورةً عن فرص التطوير في منطقة الشرق الأوسط وقد يساعدهم على فهم المنطقة وجغرافيتها وأهميتها الكبرى. وشارك خمسة عارضين من الشرق الأوسط، وتمثّل المستثمرون الشرق أوسطيون من خلال الاستثمارات في الأسواق الأخرى. وحظيت مدينة برمنغهام، ثاني أكبر مدينة في المملكة المتحدة وتضم أكثر من 3 ملايين نسمة، بجناح كبير في المعرض. وعلى غرار المدن والمناطق الأخرى، كان المسؤولين عن هذه المدينة يحاولون أن يجذبوا المستثمرين والنشاط الاقتصادي إلى مدينتهم. وأكد مايكل لوفتهاوس الذي يعمل مع ocatebirmiongham.com وكالة يملكها مجلس المدينة وتعنى بتشجيع الاستثمار أن"مدينة برمنغهام تجذب الاستثمار من الشرق الأوسط"وعرضت هذه الاستثمارات في معرض العقارات الدولي. والمثال عليها محطة بيورما وهو مشروع ثمنه 200 مليون جنيه إسترليني، مموّل جزئياً من مستثمرين كويتيين. وأشار إلى أن مدينة برمنغهام تضم جاليةً إسلاميةً واسعةً الأكبر في المملكة المتحدة تقدّر ب250 ألفاً. فالمصرف الإسلامي البريطاني موجود هناك يملكه جزئياً مستثمرون شرق أوسطيون وهو يجمع المساعدات الإسلامية، أحد أكبر المساعدات الإسلامية في المملكة المتحدة. ويأمل المخططون في برمنغهام، الذين أدركوا أهمية هذه االجالية، في أن تصبح المدينة مركز الامتياز في الأعمال المصرفية الإسلامية. وسافر مدير المجلس إلى الكويت وأبو ظبي بغية تطوير روابط برمنغهام مع المستثمرين في الشرق الأوسط. وتنظر برمنغهام إلى مشاركتها في معرض العقارات الدولي على أنها فرصة لعرض العقارات في جميع أنحاء العالم وبأن المدينة منفتحة على التجارة وعلى تطوير الروابط والاتصالات التي تساعدها على تنمية ميادين خبرة جديدة بالاعتماد على جهود السكان. ويمكن أن تفعل المدن والمناطق والبلدان الأخرى بالمثل ويأمل المنظمون في أن تتمكن من التوصل إلى ذلك. وحظيت مدينة غلاسكو، مدينة كبيرة في المملكة المتحدة في اسكوتلندا بجناح أيضاً. وبدا المسؤولين عنها فخورين بواقع أن أصحاب فنادق الجميرة سيبنون أول فندق لهم في المملكة المتحدة خارج مدينة لندن في غلاسكو التي تعتبر مدينة ثقافية. العمدة والمهندسون زاروا المدينة لا يُعنى معرض العقارات الدولي بالصفقات فحسب بل يقدم فرصةً إلى صانعي السياسات والمخططين ليلتقوا بزملائهم من مناطق أخرى من العالم. ويتمّ تقليص استخدام الألياف الكربونية في البناء كما تساعد الدروس التي تستخلص في مكان معيّن، صانعي السياسات في مناطق أخرى. وشارك العمدة من لندن وموسكو وباريس وتورنتو ومدريد وبرلين والمدن الأخرى في ذلك. كما حضر المهندسون الدوليون بما فيهم زها حديد، إلى مدينة كان من أجل هذا الحدث. المستثمرون والفرص يستفاد من معرض العقارات الدولي أن فرصاً مهمةً تنفتح للمستثمرين والأشخاص المعنيين بالعقارات في السوق الحالية. وثمة صدق في تحديد القيمة بالاعتماد على تدفق المال الحقيقي ويبدو أن العقارات لا تزال تحتل أهميةً كبرى في ملفات المستثمرين. ويحتاج الناس إلى المباني والبنية التحتية مهما كانت عناوين الصحف الرئيسة، ويعقد العاملون في معرض العقارات الدولي الصفقات بغية تلبية هذه الحاجة. ويجب أن تفكر أي مدينة أو منطقة، ترغب في أن تصبح وجهةً للمستثمرين في مجال العقارات والتطوير، في المجيء إلى معرض العقارات الدولي من أجل الاطلاع على ما يقوم به الآخرون ومعرفة السبب الذي يدعوهم إلى العودة سنة بعد سنة إلى المعرض، حتى في هذه الأوقات العصيبة! قد تكون التجارة هادئةً ويصبح تدفق الأموال بطيئاً أكثر من قبل، فعدد قليل من الأشخاص الجالسين تحت أشعة الشمس شعر بأننا نعيش أوقات صعبةً. فالتفاؤل يطغى لكن لا يسع لأحد أن يقول إننا وصلنا إلى قعر السوق. * محام في الشركة القانونية"توماس إيغار"في لندن التي تعنى بتطوير العقارات الدولية والاستثمار فيها.