يواجه رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح هذه الأيام أصعب أيام رئاسته الحكومة، فقد أثيرت في وجهه ثلاثة استجوابات لأسباب ومواضيع مختلفة مع تلويح نواب باستجوابات أخرى، وهذا يعني انه ما لم يجد الشيخ ناصر طريقة لتفاديها - وهذا صعب عملياً - فإنه لن يكون هناك مفر من استقالة جديدة للحكومة او حل البرلمان، لكن هذا الخيار الأخير قد يعني ان فرصة التجديد للشيخ ناصر في رئاسة الحكومة ستكون أقل بكثير. الاستجوابات الأخيرة جاءت من"إسلاميين"ولأسباب اعتبرها البعض لا ترقى الى مستوى مساءلة رئيس الوزراء، غير أن لا أحد في الكويت يتوقف عند نصوص الاستجوابات بقدر ما يعرف الجميع ان المشكلة هي عدم تقبل المجموعات السياسية والجمهور الكويتي عموماً لأسلوب الشيخ ناصر في ادارة الحكومة والدولة، لقد سعى الشيخ ناصر جهده لرسم انطباع جيد حول رئاسته الوزراء ومضى طويلاً في استرضاء الفرقاء السياسيين داخل البرلمان وخارجه، غير ان سياسة الاسترضاء هذه أضرت به أكثر مما نفعته وزادت من خصومه، يضاف الى ذلك عدم تحقيقه نجاحاً في مجال الاصلاح الاداري ومكافحة الفساد فتبددت الآمال الكبيرة التي كانت معقودة عليه عندما استلم رئاسة الوزراء في 7 شباط فبراير 2006. يبلغ الشيخ ناصر من العمر 69 سنة وهو من مثقفي الاسرة الحاكمة وفرانكفوني وهذا نادر بين الكويتيين كما يتحدث بعض الفارسية بفضل عمله سفيراً في طهران ما بين 1968 و1979، وكان حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة جنيف بسويسرا عام 1964، وهو دخل الحكومة عام 1985 وزيراً للاعلام ثم وزيراً للشؤون ثم وزير دولة للشؤون الخارجية قبل ان يتولى منصب وزير شؤون الديوان الاميري ما بين 1991 و2006، وكان طوال سنوات عمله الديبلوماسي ثم الوزاري قريباً جداً من عمه أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد، لذا لم تكن مفاجأة أن يختاره الشيخ صباح لرئاسة الوزراء فور توليه الإماره. نجح الشيخ ناصر طوال سنواته الديبلوماسية والوزارية في رسم انطباع إيجابي عنه كشخص نشط اجتماعياً يجيد التواصل مع الناس ويحاول تطبيق أفكار جديدة مع ميل الى الليبرالية، لذا احتفى الليبراليون كثيراً برئاسته الحكومة واعلنوا دعمهم الكامل له، خصوصاً"كتلة العمل الوطني"، ونجح في الوقت نفسه في الاحتفاظ بعلاقة حسنة مع الاسلاميين وخصوصاً المعتدلين منهم مثل"الحركة الدستورية الاسلامية"التي شارك بعض عناصرها في مناصب وزارية واستشارية مهمة. لكن منذ الشهور الاولى لقيادته الحكومة بدأ الارتباك يظهر على اداء الحكومة أمام ضغوط بعض النواب والمجموعات السياسية وعدم حسم كثير من القضايا، وقيل ان اقطاباً ومراجع في الاسرة خارج الحكومة تتدخل في كل تفاصيل عمل الحكومة وتعطي توجيهات متضاربة لها أحياناً وهذه مشكلة كبيرة تواجهها الحكومة التي طالما أعلنت مشروعاً ثم تخلت عنه، او دعمت وزيراً ثم اقالته، او اتخذت قراراً بالنسبة الى مشروع ثم تراجعت عنه امام ضغط البرلمان والصحافة، وقال نواب ان الشيخ ناصر رضي برئاسة وزراء بصلاحيات ناقصة وتغاضى عن تدخلات الآخرين في سياسات الحكومة وهو ما يلومونه عليه مع قناعاتهم بأنه صادق في رغبته الشخصية في الاصلاح والنجاح. لذا تدهورت علاقة الشيخ ناصر مع نواب المعارضة وكان أول صدام في صيف 2006 بسبب قضية تعديل الدوائر الانتخابية ما استدعى حل البرلمان، وشكل الشيخ ناصر خلال أقل من 3 سنوات خمس حكومات مختلفة غير التعديلات المتكررة ثم جرى حل البرلمان مرة أخرى في آذار مارس 2008، وهذا أعطى صورة مضطربة جداً عن قدرات الشيخ ناصر القيادية واجد خصوماً كثيرين له واتهامات بأنه عاجز عن ادارة حكومته والاستفادة من الكتل البرلمانية الحليفة للحكومة والتي باتت تنفض عنها الآن. وانتقد الشيخ ناصر بدعوى ان حكوماته الخمس عززت المحاصصات القبلية والطائفية والفئوية التي لجأ اليها طمعاً في اكتساب حصانة أمام البرلمان لكن هذا لم ينفع في كبح الاستجوابات والاستهدافات ضده، فصارت المناصب الحكومية بأنواعها توزع على اساس هذه التوازنات فيما أعاقت المجاملات الفئوية قدرة الحكومة على الادارة الصحيحة للبرامج العامة. واضطر الشيخ ناصر للاستقالة في 25 تشرين الثاني نوفمبر الماضي لتفادي استجواب برلماني آخر وتسببت هذه الاستقالة في شل عمل البرلمان لأسابيع الى حين إعادة تكليفه برئاسة الوزراء من جديد في منتصف كانون الثاني يناير، وحينما شكل حكومته الأخيرة اقتصر التغيير فيها على حقيبتبن ما أشاع جواً من عدم الجدية في العمل الحكومي وأن الغاية الوحيدة لرئيس الوزراء هي الاستمرار في منصبه بأي ثمن كما قال منتقدوه من النواب. ومع تجدد الاستجوابات وتزاحمها واستمرار الشيخ ناصر في سياسة الاسترضاء لتفاديها كما حاول مع الاستجواب الأخير الذي قدمه النائب محمد هايف المطيري قبل ايام، صار الليبراليون أيضاً ضمن أشد منتقدي رئيس الحكومة والسياسة الحكومية عموماً، وقد عقدت الاسرة الحاكمة اجتماعاً الاسبوع الماضي حضره اقطابها الكبار لمناقشة هذه الاوضاع، ومع ان المجتمعين ساندوا الشيخ ناصر في مواجهة البرلمان إلا أن خلافاً ظهر حول اسلوب معالجة الاستجوابات، إذ تسرب عن الاجتماع ان قياديين في الحكومة دعوا الى حل البرلمان وتعطيل الدستور، بينما قال شيوخ آخرون لا يشاركون في الحكومة الحالية بأن حل البرلمان يجب ان تتبعه الدعوة لانتخابات جديدة خلال شهرين كما ينص الدستور، وقد حملت المعارضة البرلمانية بشدة على الحكومة بسبب"تحريضها القيادة السياسية على الدستور"كما قال نواب. وفي الوقت التي تحاول حكومة الشيخ ناصر بمعاونة بعض النواب القريبين منها إيجاد مخارج لتفادي الاستجوابات الثلاثة المقدمة حتى الآن ويحين موعد طرح اثنين منها للمناقشة يوم الثلثاء المقبل، فانه من المرجح ان لا تقبل المراجع السياسية العليا فكرة خضوع رئيس الحكومة لأي استجواب وربما تفضل حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة ما يصعب بعده تخيل ان يكلف الشيخ ناصر برئاسة الحكومة مرة اخرى.