ليس رقماً قياسياً، لكنه قريب الى حد ما من ذلك. فالرقم القياسي الذي حققه"تايتانيك"قبل أكثر من عشر سنوات كان 11 جائزة أوسكار في دورة واحدة. أما ما حققه"مليونير العشوائيات"فهو 8 أوسكارات. كثر فوجئوا، لكن هذا كان متوقعاً... على الأقل منذ عرض الفيلم قبل شهور في وقت لم يكن أحد ليحسب له حساباً. بل انه، حتى حين عرض وأقبل عليه الجمهور بكثافة اعتبر بالأحرى فيلماً"بوليوودياً"، يشاهده كثر ويتندر كثر بالحديث عنه، وربما يحفظ كثر بعض غنائه وموسيقاه. ولكن، منذ اللحظة التي أعلن فيها مرشحاً ل"غولدن غلوب"ثم فاز بها، تبدلت الصورة تماماً، لتأتي جوائز"البافتا"الأوسكار البريطانية وتعطي الصورة اليقين. من هنا كان أبرز مفاجآت أوسكار هذا العام، خلوها من المفاجآت الأساسية، باستثناء حصول شون بن على ثاني أوسكار له كأفضل ممثل خلال أقل من عشر سنوات هذه المرة عن"ميلك"الفيلم المثير للسجال حقاً، بعدما كانت المرة الأولى عن"نهر مستيك"، ما شكل ضربة قاصمة لميكي روركي، منافسه الرئيس على الجائزة عن فيلم"المصارع" التي كان يأمل منها أن تتوج عودته الى الواجهة بعدما اجتاز صحراء الفشل والقحط طوال ربع قرن. طبعاً ستظل لروركي مكانة ما في سينما اليوم، لكن حصوله على الأوسكار، لو تحقق، كان سيبدل حياته جذرياً. مفاجأة أخرى، لا يستهان بها وبسلبيتها، هي خروج فيلم دافيد فينشر الجديد"حكاية بنجامين باتون الغريبة"من دون حمص، باستثناء ثلاث جوائز تقنية لا تقدم ولا تؤخر!، بعدما كان كثر يتوقعون له جائزة الإخراج إن لم يكن جائزة أفضل فيلم فالإخراج جاء لداني بويل مخرج أفضل فيلم"مليونير العشوائيات". عدا عن هذا، لا شيء أتى معاكساً للتوقعات إلا إذا اعتبرنا إخفاق"فالس مع بشير"في الحصول على جائزة أفضل فيلم أجنبي لمصلحة الياباني"رحيل"، صدمة لأصحاب الفيلم الإسرائيلي المميز والذي يحكي عن مجازر صبرا وشاتيلا. قد يكون صدمة، لكن الفيلم حقق من الجوائز حتى الآن ما يتخمه! عدا عن هذا، أتت كل النتائج متطابقة مع التوقعات: كيت وينسليت جائزة أفضل ممثلة في سادس ترشيح لها للأوسكار منذ"تايتانيك". هيث ليدجر جائزة أفضل ممثل ثانوي، بعد الرحيل! عن"الفارس الأسود"، بينيلوبي كروز أفضل ممثلة ثانوية عن تحفة وودي آلن الكوميدية الرومنطيقية"فيكي كريستينا برشلونة". أفضل فيلم تحريك طويل"والي". أما"مليونير العشوائيات"فنال، إضافة الى أفضل فيلم وأفضل إخراج: أفضل سيناريو مقتبس، أفضل تصوير، أفضل توليف، أفضل موسيقى للمؤلف أ. ر. رحمان، الذي نال كذلك جائزة أفضل أغنية وهي"جاي هو"في الفيلم نفسه، أفضل مكساج صوت... أما ما تبقى من جوائز فقد توزعت على بقية الأفلام المرشحة:"ميلك"أفضل سيناريو أصلي، الى جائزة أفضل ممثل،"الدوقة"أفضل ملابس... الخ. الآن إذاً، وبعد اعلان هذه النتائج، في احتفال صاخب، حضرت فيه السياسة من خلال التعبير عن الآمال التي يعقدها أهل هوليوود على الرئيس الجديد أوباما، كما من خلال أطروحة شون بن حول مناصرة زواج المثليين جنسياً تمشياً مع موضوع فيلمه على أي حال، يمكن أصحاب"مليونير العشوائيات"أن يرتاحوا ويبحثوا عن موضوع جديد، ربما يكون من شأنه أيضاً، كما حال فيلمهم الفائز، أن يأتي معولماً، مازجاً بين الحضارات والثقافات، كما بين التلفزيون والسينما، ثم بخاصة بين هوليوود وبوليوود، في وقت يتساءل كثر، أمام نجاح هذا الفيلم، عمن اقترب أكثر مِن مَن: هل دنت هوليوود، ولو من طريق الإنكليزي داني بويل، من كشكول السينما الهندية، أم ان بوليوود هي التي بدأت تعرف الى العالمية طريقاً... هوليوودياً؟ يقيناً ان أوسكارات هذا العام، تشكل محطة في طريق ستقود حتماً الى الإجابة عن هذا السؤال. نشر في العدد: 16762 ت.م: 24-02-2009 ص: الاولى ط: الرياض