أفرغ الجنرال الاسرائيلي، آفي مزراحي، ما في جوفه من هذيان. فردّ على ما قاله رئيس الوزراء، رجب طيب اردوغان، للرئيس الاسرائيلي بيريس بدافوس. فطلب الى اردوغان أن ينظر الى المرأة أولاً. وأضاف:"ان قتلة الارمن بالأمس يمارسون القتل اليوم في حق الاكراد ويحتلون شمال قبرص". وسارعت الخارجية التركية الى تقديم مذكرة احتجاج للسفير الاسرائيلي. ووصفت تصريحات الجنرال بالهذيان، وطالبت بإيضاحات. والوصف بالهذيان، في الديبلوماسية، تعبير قوي وقاس. وقد استحقه الجنرال مزراحي عن جدارة. وأصدرت قيادة الاركان التركية بياناً شديداً قالت فيه ان العناد الإسرائيلي تجاوز حدوده، وأن تصريحاته تضر بالعلاقات بين البلدين. ولعل خير من يفهم الرسالة وقوتها هو قائد الاركان الاسرائيلي. فإسرائيل تحتل اراضي الغير منذ 1967. ومذذاك وهي لا تفوت فرصة القيام بمذابح تقشعر لها الأبدان في المناطق التي احتلتها. وأما تركيا فهي وارثة الدولة العثمانية التي اعترفت بالقوانين الاوروبية وطبقتها. وتركيا لم تحتل قطعة أرض واحدة خارج حدودها، في 1914، بل خسرت بعض أراضيها نتيجة الحرب. وفي ظل هذه الحقائق التاريخية والقانونية، فتشبيه ما قامت به الدولة العثمانية من تدابير امنية، رداً على تحالف الارمن والروس عليها في الحرب العالمية الاولى، بالاحتلال الاسرائيلي الغاشم أمر خارج عن المنطق والعقل، بل هو اعلان عداء وكراهية. وعناصر"حزب العمال الكردستاني"هم، في نهاية المطاف، مواطنون في تركيا، يحملون السلاح، ويمارسون الارهاب من اجل مطالب سياسية. ومن العبث مقارنة مكافحة تركيا هجمات هؤلاء العناصر، وهم ليس لهجماتهم سند قانوني او قرار دولي يشرّع حركتهم، بالمجازر التي ترتكبها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية ضد قوى المقاومة. وإلى هذا، فدخول الجيش التركي الى شمال قبرص إنما حصل وفق اتفاقية الضمان التي قامت عليها الجمهورية القبرصية. ولا يصح إغفال ما سوغ تدخل الجيش التركي، وهو الانقلاب العسكري القبرصي الذي اعلن، بغير وجه حق، ضم قبرص الى اليونان. وأعاد الجيش التركي للجزيرة الامن والاستقرار بعد عقد كامل من الحرب الاهلية في قبرص. والحق أن مسؤولية إعادة العلاقات الى طبيعتها تقع على عاتق الطرف الاسرائيلي. وفي عودة الى حادثة دافوس، فقد يكون أسلوب رئيس الوزراء اردوغان قاسياً وغير مقبول. ومخاطبته بيريس بالقول أنتم أعلم الناس بالقتل، يعدّ خروجاً عن حدود الديبلوماسية، ويرتب رد فعل سلبياً. وتبقى في الذاكرة صورة اردوغان وبيريس جالسين جنباً الى جنب، وذلك الحوار الذي دار بينهما. وفي الأحوال كلها، ليس الرد على اردوغان مهمة الجنرال مزراحي، ولا هو يرقى الى ذلك. وليس من حق أحد الرد على تركيا، واتهامها بالباطل، وتشبيهها بنفسه. عن طه أقيول،"مللييت"التركية، 16 /2/ 2009 نشر في العدد: 16756 ت.م: 18-02-2009 ص: 25 ط: الرياض